دفء الأجداد بين الحنان المفرط وتحديات التربية الحديثة

الوحدة- د.رفيف هلال

في كل بيت، يحتل الأجداد والجدات مكانة خاصة تُضفي على العائلة روحاً من الحنان والأصالة، فهم يحرصون على رعاية أحفادهم ومنحهم العاطفة والاهتمام، غير أن هذا الحب الزائد قد يُثير قلق بعض الآباء والأمهات الذين يرون في تدليل الأجداد سلوكاً قد يؤثر سلباً على انضباط الأبناء وتربيتهم.
تتحدث السيدة دارين عن هذه الإشكالية قائلة: “أشعر أحياناً بأن أبنائي يفلتون من سلطتي بسبب تدليل والديّ لهم، لذلك أضطر إلى أن أكون أكثر تشدداً معهم، فالتربية، في رأيي، مسؤولية الأم والأب أولاً قبل أي أحد آخر.”
وتتفق معها السيدة ميس، إذ ترى أن اختلاف الأجيال يجعل من الصعب توحيد أسلوب التربية، وتقول: “الأجداد لا يمكنهم تربية الأحفاد بالطريقة التي نرغب بها نحن الأمهات، فهم يسمحون لهم بأمور نعتبرها نحن تجاوزات، وهذا يضعف قدرتنا على ضبط سلوك أبنائنا.”
لكن في المقابل، تظهر وجهة نظر مختلفة أكثر تسامحاً وتوازناً، إذ ترى المرشدة التربوية سامية أن وجود الأجداد في حياة الأطفال يشكّل قيمة نفسية وتربوية لا تُقدّر بثمن، وتوضح قائلة: “علاقة الأحفاد بأجدادهم تكمّل دور الأبوين، وليس بالضرورة أن تتعارض معه، فالتدليل المعتدل يمنح الطفل شعوراً بالأمان والطمأنينة، ويساعده على بناء توازن نفسي صحي، علينا أن ننظر بعين التقدير إلى دور الأجداد، فهم ينقلون لأبنائنا القيم والعادات التي قد تغيب عنا في زحمة الحياة.”
ومن جانب آخر، تؤكد المرشدة في التنمية البشرية نهلة أن ارتباط الأحفاد بأجدادهم يتجاوز البعد العاطفي، فهو يحمل بُعداً عملياً واجتماعياً أيضاً، قائلة: “في ظل انشغال الوالدين بالعمل أو السفر أو حتى في حالات الانفصال، يصبح وجود الأجداد ضرورة لا غنى عنها، إنهم السند الذي يملأ الفراغ ويمنح الأبناء استقراراً عاطفياً ونفسياً.”
أما الموجهة التربوية وفاء فتختتم بوجهة نظر تجمع بين الواقعية والاحترام المتبادل: “الأجداد يمتلكون خبرة طويلة في الحياة، تجعلهم قادرين على غرس القيم والمبادئ بأسلوب فطري وهادئ، من حقهم المشاركة في تربية الأحفاد، لكن من المهم أن يتفق الطرفان، الآباء والأجداد على رؤية موحدة من خلال الحوار الهادئ بعيداً عن مسامع الأطفال، حتى لا تنعكس الخلافات على سلوكهم أو مشاعرهم.”
وفي النهاية، يبقى التوازن هو المفتاح الذهبي في هذه المعادلة العائلية الحساسة، فحين يُمنح الأجداد مساحة من الحب والعطاء، وتُحترم في الوقت نفسه أسس التربية الحديثة، ينشأ الأطفال في بيئة تجمع بين الدفء والضبط، وبين الحنان والحكمة وهي الخطة المثالية لتربية جيل متزن يحمل في قلبه محبة الأجداد وفي عقله بصمة الوالدين.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار