صناعة القش.. حرفة تراثية مثقلة بالحب والحنين 

الوحدة ـ معينة أحمد جرعة

من تراث الأمهات والجدات وأصابعهن التي أتقنت صناعتها بمحبة لبيوتهن وكهدايا للأبناء والأصدقاء، لقاؤنا اليوم مع وجيهة محمود أسعد (أم منذر) من بلدة بيت ياشوط، وعمرها يقارب 90 عاماً، وما زالت تقوم بصناعة  القشيات التراثية.
بدايةً حدثتنا أم منذر عن رحلتها قائلةً: تبدأ عملية صنع هذه الأطباق الجميلة بالوصول إلى حقول القمح الذهبية قبل حصاد حزيران، وانتقاء عروق السنابل القوية المناسبة، ومن ثم تبليلها بقليل من الماء وطرقها بالهواء لتليينها، أنا أصنع أطباق السفرة متنقلة لعمل السلال المتعددة المهام أو ما يسمى (الجميّم) و(القرطل) ومشط القمح التراثي الذي كان يعلق على الحيط في البيت الطيني، وتوضع عليه بعض صور الأحبة، وقد تعلق في صدر المنزل كمناظر جمالية بعد أن تطعم بالسنابل بعد تلوينها.
وأضافت أم منذر: حديثاً أصبحت أعمل من العيدان البلاستيكية الملونة ولكن يبقى لسنابل القش جمالها وألقها بما تحمله من عبق تراب الأرض بعد مطر بواكير أيلول وعطر عرق الحصادين في شمس حزيران، وبركة دعاء الجدات والأمهات، في هذه الأيام استخدم الشنبوط بدلاً عن سويقات القمح لوفرته في جبال الساحل السوري، والشنبوط كما تقول السيدة وجيهة: نبات أزهاره صفراء جميلة جداً، ورائحته زكية ينبت بالجبال وأراضي البور. وبعد أن توقف الناس عن زراعة القمح، استخدمت عيدان الشنبوط في صناعة بعض الأدوات مثل السلال والجمام والحصير لسطح التين وبعض الخضروات الصيفية كمونة للشتاء.
تواصل أم منذر سردها بكل حنين: أستخدم في عملي مقصاً، ومخرزاً صنع عند حداد القرية (إبرة كبيرة) لتثبيت وربط القش وسكين لفصل السنابل، وأصباغ طبيعية لتلوين القش، أما خطوات العمل فهي نقع القش في الماء لفترة قصيرة (لا تتجاوز الساعتين) لتصبح لينة ومرنة، مما يسهل جدلها ولفها، صبغ القش (اختياري) يمكن صبغ القش بعدة ألوان بعد عملية النقع لتزيين الأطباق بأشكال هندسية جميلة، صنع العقدة الأساسية: تبدأ عملية الجدل بلف ثلاث سويقات معاً كضفيرة لتكوين عقدة أساسية في منتصف الطبق، وهي أساس متانته، اللف والتشكيل: يتم لف السويقات الطرية حول العقدة الأساسية بشكل دائري، مع تثبيت كل دور بواسطة المخرز لربط الدوائر المتراصة بعضها ببعض.
وتتابع شرحها للعمل حول توسيع الطبق: تتكرر عملية اللف والربط حتى يصل الطبق إلى الحجم المطلوب، وتضاف عقدة تثبيت كل ثلاثة أدوار لزيادة الاتساع، الإنهاء: يتم إنهاء الطبق بصنع مثلث صغير مرتفع للاستخدام كعلاقة لتعليق الطبق على الحائط، ثم يُقص القش الزائد، وتثبيت نهاية الدور الأخير بقطعة قماش، وكذلك أقوم بإدخال الخيوط الملونة وبعض قطع القماش إجمالية الطبق وتكون حسب الطلب، وتستخدم الأطباق كأدوات ضيافة لتقديم الطعام في المناسبات والأعراس، وأدوات منزلية كسلال للفواكه والخضار والخبز، وتخمير العجين، وتنقية الحبوب، زينة وتراث تُستخدم كقطعة ديكور، حيث يضيف تزيينها بالنقوش والخطوط لمسة فنية.
وتنهي أم منذر كلامها متحسرة على الأيام التي كانت تنتج، وتصنع الكثير الكثير منها. وقالت: أفتخر بأنني قدمت منتجاتي للمطاعم التي تقدم أكلات تراثية لتزيد من عراقتها، أتمنى ألّا تنقرض هذه الحرف لأنها مثقلة بالحب والحنين.

صناعة القش
تصفح المزيد..
آخر الأخبار