العــــــدد 9285
الثلاثــــــاء 5 شـــباط 2019
حين حملني القدر إلى طرطوس، أول ما لفت نظري – ليس البحر الأزرق الساحر وذكريات ساحرة أحتضنها في روحي سنة كاملة حتى صيف تالي، ثلاثة أيام في العام نقضيها على الشاطئ في مكان ما من ساحل ساحر وبحر أقف عند أقدامه ألطم موجه بقدمي ويلطمني وأخوضه وأنا الجاهلة في السباحة أتعلق برمال الشاطئ ودولاب هوائي ورفقة شجعان . .
ما بهرني أشجار البرتقال المثمرة في بعض شوارع المدينة، لا مثيل لها في المدن التي مررت بها على الأقل، يومها لم أشاهد الأرصفة المهترئة التي تستقبل ثمار البرتقال المرمية على الطرقات وقد ملت الانتظار ولم تقطف . .
فرحتي بمنظر البرتقال المتروك على الشجر يزين الشوارع ويلونها في الحي الهادئ كانت كبيرة حتى ظننت لوهلة أن الجنة في طرطوس فلا أحد جائع ولا محتاج حتى لحبة برتقال . .
بعد حين عرفت أن البرتقال في هذه الشوارع لا يؤكل هو للزينة فقط، تثمر الشجرة وتسقط حباتها وتتعفن ولا تطالها حتى مكنسة عامل النظافة!!
مشهد رأيته فيما بعد في حقل للبرتقال اللذيذ عند أحد الأنهار في الريف الوادع ودعوات مفتوحة من أصحابه للقطاف المجاني لأن تحميلها إلى سوق الهال أكثر من سعرها!
واليوم، حملة قص الشجر في الشوارع، عمال يرسمون الشجر بمقصات ضخمة يصنعون أشكالاً لا تشبه الشجر . .
أحلى ما سمعت من فنان سوري عظيم أن أعظم فنان هو الله الخالق، فهل ندع الأشجار لخالقها فلا نبدع في التقليم ولا نلون الجذوع ونرسم وجوها بلهاء تشبهنا ونقول عن تشويهنا: فن، كما في بعض الحدائق!
أن نقطع أغصاناً مدلاة على ممر للمشاة أمر واجب لكن أن نصحَر شوارعنا وهي أكثر ما تحتاج ونحتاج لظلها في صيف حارق يستظل به بائع يجر عربة أو منتظر لباص أو مريض .. ظل يبعث الحنان في الصدور إلا عند من يحمل المقص ويمضي بثقة وهو يدافع عن نفسه حين أعترض على عمله، ويقول بحدة: ألا تقصين شعرك؟!
سعاد سليمان