سلمان إسماعيل: الخطــاط يحــتاج إلى عــين باصــرة لا بصـيرة

العدد: 9283

3-2-2019

قيل في الخط العربي: (الخط يبقى زماناً بعد كاتبه، وكاتب الخط تحت الأرض مدفون)، الخط للأمير جمال، وللغني كمال وللفقير مال، ويقول المأمون: لو فاخرنا الملوك الأعاجم بأمثالها لفخرنا بما لنا من أنواع الخط يقرأ في كل مكان، ويترجم بكل لسان، ويجد مع كل زمان.
الخط العربي له حضور قوي في المجال الفني البصري الذي يأخذ بعده الأساسي من شكل الحرف، (الوحدة) التقت أحد فناني الخط العربي بالبعد التشكيلي في الحرف العربي، وفي تغلغل الذهنية الهندسية في بناء اللوحة، وهو المتميز بخفة ورشاقة الحروف عنده، إنه الخطاط المدرس سلمان علي إسماعيل والحريص على نشر وتدريس اللغة العربية والخط العربي للأجيال، وعلى إقامة والمشاركة في معارض عدة تخطت حدود المحافظة من جهة، وعلى المشاركة في مسابقات تخطت حدود القطر مثل المسابقة الدولية التي كانت تقام كل ثلاث سنوات في تركيا منذ عام – 1986- حتى عام – 2004، (الوحدة) التقت الخطاط سلمان إسماعيل ومعه كان حوارنا الآتي ..

* حبذا لو تحدثنا عن بداية تعلقك بفن الخط العربي؟
** أكثر ما دفعني للاهتمام بالخط العربي روعته وجماله ودقته، ولأنني منذ كنت صبياً أحسست بأنه يسري في دمي، إذ كنت أمسك قلماً قصبياً، وأتدرب لوحدي على حرف معين ويستغرق مني ذلك الوقت الطويل، ومع ذلك لا أستطيع رسمه بشكل دقيق، وأتذكر حينها كنت أكسر القصبة وأرمي بالمحبرة في الشارع وبعد يومين أو ثلاثة أيام أرجع و(أبري قصبة)، وأشتري محبرة، وأعود إلى التدريب، وأحب أن أقول هنا: الخطاط فنان بالسليقة لأنه يحتاج إلى عين باصرة، لا عين بصيرة.
* يقال إن صاحب الخط الجميل هو صاحب أعصاب هادئة، هل ذلك صحيح؟
** لم أر خطاطاً نزقاً، لأن الصبر والجلد كفيلان أن يطوعا الفنان الخطاط كي يكون هادئاً متزناً صبوراً يحب العمل ويخلص له، وعلى الخطاط أن يتحلى بأخلاق عالية، والأفضل بل من الواجب أن يكون ملماً بقواعد اللغة العربية السليمة.
* ماذا عن الأدوات المستخدمة وتقنيات العمل؟
** كانت الأدوات الأساسية للخط، القصب الجيد والبري الناعم له، والحبر الجيد بالإضافة إلى القرطاس الخاص بالكتابة، أما تقنيات العمل فتأتي من خلال الممارسة الدائمة لفن الخط، والتي بدورها تحرض على تقنيات جديدة.
* من خلال الاطلاع على أعمالك وجدنا اهتمامك بالخط الثلث وخط الديواني الجلي أكثر من الخطوط الكلاسيكية المعروفة، ما الخصوصية في هذا الأمر؟
** كل الخطوط العربية جميلة، ولكن خط الثلث في نظري من أصعبها وأجملها، كما يستهويني خط الديواني الجلي لكثرة التواءاته، وصعوبة الكتابة فيه، فأساسه الخط الديواني وإنما وضعت تيجان وتزيينات على رؤوس الأحرف زادته جمالاً وصعوبة، هناك بعض الفروقات بين الديواني والجلي، مثل النقط، وبدايات ونهايات الأحرف الناعمة مثل رأس الجيم ونهايات ذيله تكون ناعمة بحيث تكتب بقلم يساوي ربع القلم الأساسي.
* تؤيد من يقول: إن فن الخط العربي من الفنون الصعبة؟ ولماذا؟
** بالمطلق أنا أؤيد هذا القول، ومن وجهة نظري تكمن صعوبة فن الخط العربي في الصبر والجلد، والقدرة على التحمل وكثرة الحشو، والمحاكاة الجدير بالذكر أن الخطاط الدمشقي الأشهر (بدوي الديراني) في أواسط القرن الماضي كان يعطي المتدرب عنده كل شهر حرفاً فقط، وبمقابل ذلك كان يأخذ من المتدرب حينها خمس ليرات شهرياً أجراً له.

هناك روح وحيويــة وجـــمال في انســيابية الخــط العــربي

* ماذا يقول المدرس سلمان عبر الخط العربي؟
** أقول إن الخط العربي واللغة العربية السليمة صنوان لا يقوم أحدهما بدون الآخر، وأول من خطّ الحرف العربي هو سيدنا علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) حيث قال لأبي الأسود الدؤلي: العربية اسم وفعل وحرف، انح هذا النحو، وجميعنا يعرف أن أبا الأسود الدؤلي هو من وضع النقط على الأحرف العربية.
* برأيك في ظل الطباعة والكمبيوتر هل تراجع الخط العربي؟ أم ازداد رسوخاً؟
** في ظل الطباعة والكمبيوتر يزداد الخط العربي رسوخاً، تسألين لماذا؟ لأن متقن الخط يعطي روحاً وحيوية وجمالاً للخط، أما في الطباعة والكمبيوتر فلا يحتاج الأمر إلاّ أن يكتب الشخص – ليس بالضرورة أن يكون خطاطاً- الحروف على الكمبيوتر، ويضغط زراً ليصبح المكتوب بالخط الذي يريد، وبالتالي يكون الخط جامداً، لا روح فيه كالجهاز والآلة التي خطته تماماً.
* وهل تحدد مستقبل هذا النوع من التشكيل الفني من هذه الرؤية؟
** أكيد لأنه مهما وصل التقدم العلمي والفني – على حد سواء – إلى أعلى المستويات فهذا بالضرورة لا يغني عن الروح والحيوية في انسيابية الخط من جهة وجمال تركيباته من جهة أخرى، وبالمقابل يجب الاهتمام بالخط العربي فهو يمثل هويتنا وحضارتنا.
أخيراً أتقدم بالشكر الجزيل لصحيفة الوحدة الموقرة ولكل منبر حرّ وأرجو أن تعمل جريدتكم – والتي تلقى صدى واسعاً – على تقديم دروس خطية على صفحاتها، كي يستفيد المتابع لها من كتابة الخط، لأن الخط كما جاء في الأثر: (الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية).
كما أتوجه باقتراح أتمنى أن يؤخذ به حفظاً لأجيالنا العربية وهو أن تكون هناك مادة خاصة في اللغة العربية على مدى السنوات الأربع ليتعلم طالب الجامعة كل سنة خطاً مثل السنة الأولى: خط الكتابة وهو خط الرقعة، والثانية خط النسخ، والثالثة: خط الديواني، والرابعة: الخط الفارسي (النستعليق).

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار