العــــدد 9283
الأحــــــــــد 3 شـــــــــباط 2
همسَ في غابةِ البيتْ، رجِعَ حزيناً يجوبُ سهولَ دمي، خلفَ مساربِ الظلالِ الباردة، زهرةُ النهارِ تتفتحُ، وعلى بابِ بيتي تَرُشُّ عِطَرها، فتتلاشى همساتُ طفولتنا كسحابةٍ فوقَ بساتينِ الهواء.
مساء الجسدِ يَهمِسُ للشجرةِ الواقفة في الظلِّ: همساتُ أرواحهم تخطفُ زنابقَ عيوننا، متى تَهجرُ غابة البيت؟ بأيدينا هذه كنّا زرعنا الزنابق، بأيدينا هذه كنّا هدمنا حجارة البيت، بأيدينا هذه كنّا حرقنا بيادرَ الأُلفة، وبأيدينا هذه نحاول جمع ذلك الدُّخانِ العظيم لنصنع بيتاً آخرَ للحبِّ.
لأنّها تخافُ الجلوسَ وحيدةً، ولأنها كالربيع، فتحت كفَّ التراب، وأيقظت الأخضرَ الغريب، وهَمست للفراشات أن تعودَ، ولأنها شجرةٌ تُحبُّ ألَّا تفارقها الحياة، وألّا تغادرها الشمس، لأنها شجرةٌ لا تريد أن تفارقها الخُضرةُ أبداً، ولأنها شجرةٌ تحاولُ ألّا تبتعد العصافير عن أغصانها. . أبداً. . أبداً.
لأنّها لا تطيقُ وحشة الروح، ولأنها عاشقةٌ، همست: افتح بيتَ قلبكَ لنسكن معاً، ولنفترشَ وريقات روحينا، ولنمت بعدها، تحت وقع ذلك الحبِّ العظيم.
لأنّها لا تحبُّ الصَخَب كثيراً، ولأنّها أغنيةٌ، مدّت أناملها وشَقت عتمةَ الكون، طوت أوراقها وغفت على ضفافِ القمر.
همست الحقولُ للجبليِّ الهارب صوبَ مستنقعاتِ المدن: عندما يضعون رأسكَ الجبليَّ تُحفةً في (صالوناتِهم) الرحبة، تذكّر، أنَّ فضاءَ العصافير أكثرُ رَحابةً، وأنَّ أزهارَ الجبال تموت سريعاً، بعد أنّ يُزينوا بها طاولاتِ (صالوناتِهم) المتلألئةِ، الأقلِ رحابةً من زنزانة .
بديع صقور