«ســـاعتان وســـاحتان».. عـــبق روائــــي بصـــالة الجــــولان

العدد: 9383

الثلاثاء9-7-2019

 

أقام فرع اتحاد الكتاب العرب باللاذقية بالتعاون مع دار (عين الزهور) للنشر نشاطاً أدبياً حول رواية الأديب زهير جبور والتي حملت عنوان (ساعتان- ساحتان) حيث تضمن كلمة أمينة سر الفرع الأديبة مناة الخير (انطباعها الشخصي عن الرواية) وإضاءة نقدية للأديب الدكتور صلاح الدين يونس رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية، وفي الختام كان هناك توقيع الرواية من قبل الكاتب زهير جبور وذلك في صالة الجولان بمقر الفرع.
في مادتنا الآتية نلقي الضوء على أهم ما قيل حول رواية (ساعتان- ساحتان)..

الأديبة مناة الخير: إن الخلفية السياسية التي تتراءى في رواية (ساعتان- ساحتان) هي للأحداث التي اجتاحت المنطقة العربية وسورية ما بين أوائل الستينات مروراً بنكسة حزيران وحتى حرب تشرين عام 1973 والتغيرات التي طرأت على المجتمع السوري بشقيه (الريف والمدينة) كبنية اجتماعية وأفراد، طارحة مقولة الثابت والمتحول في القيم الاجتماعية والأسرية والتغيرات والظروف التي دفعت بأبناء الريف لكسر طوق العزلة والاختلاط بالمدينة، مع ما تحتمل هذه التجارب من نجاح أو فشل محكوم بالخلفية الثقافية والمعرفية لهذه المجتمعات، وكيف كانت الطليعة المثقفة ذات الفكر السياسي التقدمي منارات حقيقية في مجتمعاتها في تلك الفترة ولكنها ما لبثت أن تراجعت أو هزمت أو قتلت،
وشخصية أبو فريد الذي اختار الخروج خارج قريته ليقيم شبكة علاقات اجتماعية مع جيرانه، ويشكل جسراً بين قريته والمدينة لنجد أنه يتعرض للقتل الحاقد، ولم يشفع له حسن سلوكه أو معشره ليأتي ابنه فريد صورة مشوهة من الحرفي الذي أتقن مهنته –الحلاقة- حتى تفوق على أقرانه ولكن هذا التفوق والطموح دفعه للتنكر إلى جذوره التي أنشأته (أمه- معلمه- وحارته) إنه فساد الطبقة التي خرجت من صفوف الفقراء لتكون أشد قبحاً وظلماً من الطبقة الإقطاعية الأولى كما تقول الرواية، أهو صراع الأجيال أو صراع الطبقات أسئلة وأسئلة تثيرها الرواية ولكنها تمثل مرحلة حقيقية من تاريخ المجتمع السوري، وزهير جبور أخذ هذه العجينة وشكّل منها روايته الجميلة.
أما أم فريد وما تمثله من تشبث بالقيم تعيد إلينا صور أمهاتنا، والتآكل الذي أصاب البنى العمرانية والإنسانية للمجتمعات الصغيرة دفع الكثيرين للإحساس بالاغتراب.
رواية زهير جبور فيها من الشجن الخفي والخيبة جرعة وافرة نتقاسمها مع أبطالها، وكل الأبطال الإيجابيين في هذه الرواية هُزموا، وربما هذا ما يجعل الرواية حميمة جداً وقريبة إلى القلوب.
الأديب الدكتور صلاح الدين يونس: العمل يستحق أن يُشار إليه، وأن يُدرس مكتوباً وشفوياً (ساعتان- ساحتان) هناك بطل مستقر هو المكان والجغرافية هو الوطن وهناك متحولات: بشر- أفكار- ثقافات- أحزاب- رؤى هذه كلها متحولات.
بدأ كاتب الرواية بتقنية وتقانة من خلال عناوين (ستة عشر عنواناً) كل عنوان يبدو للوهلة الأولى منفصلاً عن الآخر، ولكن عندما تقرأ هذه العناوين تشعر بأنها ليست مجموعات من القصة القصيرة وإنما هي رواية ذات حبكة وذات موضوع واحد هو تحول الإنسان وتحول الطبقات استعار كلام المؤرخين كالإدريسي والشعراء كديك الجن، واستعار كثيراً من مقولات المؤرخين الذين تكلموا عن حمص، اختارها لأنه عاش طفولته فيها البطل من مواليد اسكندرون، ضياع اللواء أدى إلى اقتطاع جزء من تاريخ البلاد الشاب غادر اللواء إلى حمص ثم الأسرة غادرت إلى اللاذقية وقبلها القنيطرة، تقلب بالمجتمعات أدى إلى صياغة شخصية غير مستقرة وليست مستغرقة في علوم عصرها، وواعية لما يحدث حولها.
من العنوان (ساعتان وساحتان) هناك زمنان: زمن يغيب وزمن يولد، يتطور والساحتان جغرافيتان وهما إيديولوجيتان حقيقة، وما تزال الساحتان والساعتان في جدل مع بعضهما.
بدأ بتشكيل شخصية من خلال الآخر، البطلة جوادة أحبت النازح، مشت في سيرورة صحيحة إلى أن فرضت الأحداث دخولها الجامعة وهو التحق بالجيش وجوادة لم تعترف داخلاً أو خارجاً بحبها للبطل لذلك هي مبرأة مما تصرفته والأحداث قادتها إلى ذلك، والريفيون عندما أتوا إلى المدينة سكنوا في الأطراف ليشكلوا بعدها أحياء تضم إلى المدينة، وفريد تعلم مهنة ومن المهنة كسب المال وصار صاحب محل ثم ارتقى بصناعة العطور وتقطير الورد، وهو لم يتعلم ولا يستطيع أن يكون وفياً للطبقة التي أنتجته، فريد نما مع النمو التجاري السلعي البسيط في المجتمعات السورية هو ضحية التقدم، وليس خيانة لطبقته، تنكر للكل لكنه ظل يخدم أمه وطلب منها أن تلتحق به.
في الرواية حدثان مهمان: هو مقتل (أبو فريد) المهني الحرفي الذي سكن أطراف المدينة ومقتل الشيوعي (والد جوادة) القاتل هو واحد، هو الأعراف والتقاليد هو عدم إدراك الطبقات الاجتماعية الفقيرة في المدن لأهمية الرزق القادم من الأرياف.
أهم ما في الرواية أن الأحلام التي بناها الشعر الإحيائي- الكلاسيكية المعاصرة من نهايات القرن التاسع عشر إلى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، بنى الشعر الكلاسيكي أحلاماً كبرى واستدعى الشخصية التاريخية وكبّرها، وجاءت الرواية الواقعية وأقصت تلك الأوهام من موقعين: الأول أنها لم تعرها انتباهاً، والثاني: أنها أحيت الشخصية الواقعية، صار الزمن هو البطل التاريخي أي ناب الحضور عن التاريخ وهنا تبدو أهمية الرواية، والرواية فيها خيبات كثيرة والعبارة التي تدعو للتفاؤل في هذه الرواية (بقيت أنا والعاصي) فالعاصي النهر يستمر والبطل السوري الإنسان يستمر وفي كليهما المستقبل القادم.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار