وقـال البحــــــر… سلعة كاسدة

العـــــدد 9380

4 تموز 2019

 

لا أدري ما الذي دفعني لإعادة قراءة كتاب الديمقراطية في أمريكا (ألكسي دوتوكفيل) بعد أن كنت قرأته قبل ثلاثين عاماً ضمن مجموعة (أمهات الكتب السياسية) التي تبدأ بكتاب الأمير لميكافيلي وتنتهي بالدولة والثورة للينين والتي ترجمها إلى العربية أستاذنا المرحوم جورج صدقني وشجعنا نحن طلابه على قراءتها.
توكفيل صاحب النبوءة الأعظم في تاريخ النبوءات السياسية فهو كتب عام 1840 ما يلي: يوجد على سطح الأرض شعبان عظيمان انطلقا من نقطتين مختلفتين وتقدما إلى الهدف نفسه هما الروس والأمريكان، شعبان كبرا في الظلام بينما كانت أنظار العالم مشدودة إلى مكان آخر، هذان الشعبان مرشحان بخطة خفية من العناية الإلهية أن يمسك كل منهما بيده مقدرات نصف العالم.
أصحاب الفكر السياسي يعترفون نبوءته توكفيل ويؤكدون قائلين: لو لم يكتب في حياته سوى ما ذكرناه أعلاه لأعتبر من أهم الكتّاب السياسيين في العالم حيث صدقت بنبوءته بعد أكثر من مئة عام حين انقسم العالم إلى معسكرين متناقضين أمسك الروس بالأول، والأمريكان بالثاني نحن ما سميّ آنذاك الثنائية القطبية بعد الحرب الكونية الثانية.
في كتابه الديمقراطية في أمريكا يقول توكفيل: إن الشعب الأمريكي يهيمن على عالم السياسة كما يهيمن الله على الكون، إنه علّةُ كل شيء وغاية كل شيء، كل شيء يخرج منه، وكل شيء يصب فيه.
كنت ككل الذين قرأوا الكتاب مشدوداً إلى تلك الديمقراطية حيث الإنسان غاية كل غاية.
ما قرأناه في كتاب توكفيل لم نجد وقعاً له على الأرض ولم نسمع بديمقراطية استنبنتها أمريكا في مكان بعد أن دان لها العالم عبر ما سمّي الأحادية القطبية، حيث بدأت سلعة الديمقراطية الأمريكية تجوب البلدان في الشرق والغرب على سروج الصواريخ العابرة للقارة، وهاملات الموت والدمار، وقطعان الدبابات وآلاف الإرهابيين المجندين لحسابها، وبدأ العالم مشدوهاً بالكيفية التي توزع فيها أمريكا ديمقراطيتها التي لا تتنفس وتعيش إلا في بحر متلاطم من القتل والرعب.
باسم الديمقراطية بشّرت بنهاية التاريخ، وباسم الديمقراطية أعلنت حرباً ضروساً ضد الدول التي لا تعترف بزعامة أمريكا عليها، ونشرت الفوضى الخلاقة في كل العالم ، وأضرمت النار الأثنيات والطوائف والأديان وأعادت البشرية إلى ما قبل القرون الوسطى عبر حروب الأصوليات والتطرف، دور أمريكا في تخريب العالم وزعزعة استقرار الدول التي تقول لا لديمقراطية معلّبة مستوردة لا تملك أكسجين الحياة لم ينقطع منذ عقود ولازال مستمراً، ألم نسمع وزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلينتون تقول في بداية الحرب الكونية على سورية: لا رجعة عن الديمقراطية في سورية قبل ذلك وباسم الديمقراطية استباحت أمريكا العراق وقتلت ما يزيد عن مليون وشردت ملايين موزعين على أرصفة العالم، وتحاول اليوم استنساخ تجربتها في العراق ونقلها إلينا والهدف كما تدّعي أخلاقي ومن أجل الشعب السوري وترويضه بالديمقراطية الامريكية، والحال ينسحب على دول كثيرة في العالم.
تناسى منظرو السياسة الأمريكية أن للشعوب ذاكرة حية لا يوقف نبضها غطرسة القوة وهي تعرف أن الديمقراطية قوة للشعوب وعامل من عوامل منعتها وازدهارها وهذا لم يكن يوماً الأيام هدفاً أمريكيا أو رغبة أمريكية.

إبراهيم شعبان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار