الوحدة : 26-3-2024
دون ترتيبٍ مُسْبقٍ، وبعفويّةِ قدميْنِ تاهتا في شوارع المدينة، وصلتُ الحيّ الّذي أمضيتُ فيه طفولتي.
وحدها صور الذّكريات تلتصق على الجدران، كما هو البحر والأمواج، وتحمل طيبة أصحابها واحترامهم، فمعظم البيوت مازالت حدائقها موجودةً بأشجارها وعرائشها، لم تصل لها أيدي العابثين والمراهقين.
تأمّلتُ الوجوه الجديدة وسألتُ عن الأسماء، القليل من تلك الوجوه انتسب إليها كابن أو حفيدٍ، وآخرون اعتذروا لعدم معرفتهم.
لكنّ الجميع كان يحمل بشاشةً ربيعيّةً تستحق الشُكر والامتنان.
امتدَّ بي الشّوق أكثر لأتوغّلَ في محيط الحيّ، فالأقدام تَحِنّ كالقلوب، ولم أشعر بالتّعب إلّا بعد أن حللتُ ضيفاً حزيناً على منزلي الحاليّ الّذي أسكنه، بسبب الحيّ الغارق بالفوضى العارمة. غرقُ ليس فيه أبسط مبادئ العوم، فعلى ما يبدو أنّ هذا الحيّ الجديد مستودعٌ بشريّ يتنفس فيه النّاس التّناقضات وعدم الشعور ببعضهم. فانعدم الإحساس بالجوار والمجاورة!
وإذا كان الّلص يسرق ويمضي، فهؤلاء أكثر خطراً، يسرقون بضجيجهم وصخبهم الهدأة وراحة البال والطّمأنينة دونما انقطاعٍ أو توقّف، وكأنّك في محطّة قطاراتٍ تضاربتْ مواعيدُ حافلاتها، أمّا لغتهم فتمزّق ثوب الخجل ولا تُبقي منه خيطاً.
وددتُ لو أتخلّى عن أمنياتي بأكملها في سبيل العودة لمنزلي القديم، فهو النّهاية السعيدة الوحيدة لِعُمرٍ أوسعني قسوةً وهمّاً.
سمير عوض