الوحدة : 19-3-2024
* المشهد الأول:
شغلته أحزان الناس، فعاهد نفسه ألا يجد محزوناً إلا وأدخل فيه السرور، وكعادته يبدأ بنكتة خفيفة.
صادف رجلاً يرتعش ويبكي، فقابله ببضع كلمات، ثم برقصةٍ لا تلتوي لها جياد الصبايا، فتلقّى من ذلك المهموم وعلى الفور، صفعةً تطوي جدارين.
طفلٌ لا يتوقف عن البكاء، فراح صاحبنا محاولاً حمله. صرخت الأم ومعها المارّة، وانهالوا عليه ضرباً وكأنّه مقلع حجارةٍ!
بعد يومين، وقف على مداخل مقهىً امتلأ بروّاده، وصاح بنكتةٍ، ثم ألحقها بأخرى، ليتلقى على وجهه كأساً ساخنةً توقظ نصف ميتٍ؟!
لم ينج من المقهى إلا هرباً وتوارياً، ليرى بخطواته في شارع مزدحمٍ وهو يقول: فرصة الضحك لمن يرغب بالمشاركة مجاناً. لكنه فوجئ بسيارة زجّ المعتوهين والمشرّدين، وقد ألقي فيها وهو يغني:
يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً..
كعاشقٍ خطّ سطراً في الهوى ومحا..
* المشهد الثاني:
حلمٌ لا يفارقه، وهو السفر بعيداً. أصدقاؤه الذين لا يميزون بين البقاء والرّحيل: “غادروا”.
بقي يحادثهم عبر الهاتف الذكي، وحين يذكرون له بعض الصعوبات يجيب: أعرف ذلك، وقد تجنّبت السفر لهذه الدّواعي والأسباب.
أخيراً أقنع نفسه على السفر، ولو حتى إلى حافة العالم!
في أيامه الأخيرة رحل إلى قريته التي لم يطأها منذ أربعين عاماً، فكان فيها غريباً.
تذكّر ذلك القبر الذي كتب عليه: غريبٌ لم يغترب.
* المشهد الثالث:
أقنع الحاضرين أنه عندما تعذّر عليه الصيد في براري قريته، انطلق إلى حيث البحر، وأخذ يلتقط الأسماك ببندقية صيده النارية، فتخرج نصف مقلية، كما أقنعهم بأنه وخلال رحلته الفائتة، قد شاهد الجبال تنحني بفعل الثلوج المتراكمة، وأحياناً كانت تتمايل من زلزال البرودة!!
أنهى كلامه بعبارات من كتاب لم أسمع به فقال: عاشقاتٌ اجتمعن وكلٌ تحكي قصتها، فعبلة أشادت بعنترة وشعره. أما ليلى فانبرت تفصح عن شفافية قيس التي تخرج من قبره.
لم يكن بين الحاضرات لبنى وعفراء فقط، بل ابنة الجيران التي هي محبوبته.
تميّزت بتخليها عن الاقتران بغيره، وفضّلته على جميع أقرانه، فلديه سرٌّ لم تفصحه. تبيّن فيما بعد أن هذا السر هو غلاف لكتاب مزّقته الكلمات.
سمير عوض