الوحدة 4-3-2024
جرفني الملل إلى مقهى يتوسّط المدينة، وكان قد سبقني أحد الزّبائن للجلوس بقربي. لم يتأخر بالتحيّة ليدخل معي في حديث كلّ كلمة فيه تفتح موضوعاً مستقلاً للنقاش.
لم ينفعني اعتذاري الشّديد عن متابعة حديثه – وأنا الهارب من شغب الفراشات وضجيج الأنفاس – فكيف بأمثاله وهو يزهو بصوته المجلجل مثل طائر ينفض جناحيه؟!
من خلال حديثه، أفصح أنّه حلاّق للسيّدات، وسنواته الطويلة في هذه المهنة جعلته يفسّر الأشياء كما يفسّر الشّتاء أمطاره، والرّبيع أزهاره، والمتسابق خطّ نهايته.
ولأنّه شديد الحرص صرخ يقول: أودعت سيّدة عندي مبلغاً من المال. وبعد مدّة طلبت أن آتيها منزلها بالأمانة، وما إن وصلت حتّى اتهمتني بالسرقة الواضحة أمام الجيران، لأقضي عقوبة السّجن .
حتّى اللّحظة والكلام له – لم أجد تفسيراً لما حدث -؟!
ما كاد يكمل قصّته الأولى إلى أن أغرقني بالثّانية فراح يقول: أربع سيّدات طلبن نموذجاً واحداً من القصّات، ولسان حالهن: لم لا يكون حلاّق واحد لنا جميعاً ونحن المتزوجات من رجل واحد وفي مسكن واحد؟
بعد وصولي لداخل منزلهن، اتّهمنني باقتحامه والتحرش لأقضي حكماً قاسياً في السّجن.
أمّا القصّة الثالثة فملخصها: سيّدة دعتني لشاطىء البحر،وقد طلبت مني تعديلاً لوجهها بما يناسب وملابس البحر والرّمال، وبين لحظة وأخرى كانت تصفني بالرّقم النّهائي لعدد زيجاتها!
كان السّبب من كلّ ذلك واضحاً. لكن المفاجأة أن زوجتي حضرت وصار بيننا جدار أسود لم يتغير لونه سوى بالفراق.
بعد سماعي لما قاله الحلاّق، وقبل أن يستّمر ويمضي في حكاياته هربت من الباب الخلفي للمقهى وأنا أردّد قول الشّاعر:
وصبري على أشياء منهن تريبني
وكظمي على غيظي وقد تقطّع الكظم.
سمير عوض