العواطف المظلومة في الحياة الزوجية

الوحدة : 27-2-2024

هل نسي أزواج هذا الزمن أبجديات الحب؟ إن كان الفشل مصير علاقة زوجية ما فعادة ما يأتي ذلك الفشل الزوجي باكراً، إنه لا يتأخر إلا لأربع أو خمس سنوات حتى يصبح التعايش أصعب من أن يحتمل، ويتوجه الزوجان طائعين وبملء حساباتهما الخاصة إلى المحكمة الشرعية ليحررا وثيقة الطلاق.
(الحب السطحي) يحتاج إلى ثلاث سنوات لكي يتبخر، بعد ذلك ينطفئ الحريق ويتلفت المرء حوله فيجد نفسه في دوامة الرتابة والاعتياد والعلاقة التي تفتقد البريق وفي ذلك الوضع إما أن يختزل المرء الواقع كله في الرماد الأسود فيستعد للهرب بحثاً عن حريق آخر، وإما أن ينكشف له الأمر عن بصيرة ناضجة فيرى في شريكه الزوجي شخصية تحمل أبعاداً إنسانية أكثر عمقاً من مجرد كونه ينتمي إلى الجنس الآخر فالكثير من العلاقات الزوجية تنهار بفعل الاختيار السطحي أو سوء الاختيار، مثل هذه العلاقات تحتاج إلى بضع سنوات حتى ينجلي سطحها البراق عن عيوب لا سبيل إلى تجاوزها، ويصبح من الصعب على الاثنين الاستمرار بها أما الجانب الآخر فيتصل بثقافة الصورة التي تهيمن على حاضرنا والتي جعلت من الحب السطحي والمباشر والبصري، هو السائد فصار للرجل حلم يسكن رأسه ويهيمن على مشاعره، إنه حلم يكتسي وصف امرأة قل مثيلها على أرض الواقع: نحيلة جميلة كاملة الأوصاف مغطاة بطبقة ملونة من المكياج ولا يهم المحتوى، وفي المقابل صار للمرأة حلم يرتدي أوصاف رجل وسيم مفتول العضلات أنيق المظهر، يشبه هذا الممثل أو ذاك المغني، وكفى.
الفكرة تتلخص في أن الرجل لن يعد يعي معنى الحب، وهكذا الحال بالنسبة إلى المرأة. وهذا يقودنا للقول بأن رجال هذا الزمن قد نسوا أبجديات الحب وصار من الضروري أن يدخلوا مدرسة العواطف التي تؤهل تلاميذها الرجال ليكونوا قادرين على فهم الجوهر الإنساني للارتباط العاطفي، وعلى أن يتجاوزوا بالتالي بريق السطح الذي يهيمن على الغرائز ويوهم المرء بأنه واقع في الحب.
إن الحب الغريزي المندفع بجنون هو أشبه بحبة فلفل يتناولها المرء مع وجبة كاملة هذا الفلفل ليس هو كل الوجبة، إنه مجرد غذاء ثانوي يزيد الشهية ويزيد من إحساس المرء بوجبة الطعام، وعندما يتناوله يشعر بالحريق اللذيذ يشاغل أحشاءه، ولكن هذا الحريق سينطفئ عما قريب، وعندما يحدث ذلك الانطفاء سيتوقف المرء هنيهة ليعاين ما سيحدث في اللحظة التالية.
أجمل شيء هو أن تكون طبيعياً كي يرى الطرف الآخر شخصيتك من كافة جوانبها من دون تصنّع أو تكلف، حتى لو كان ثمن ذلك هو احتمال أن تتعرض للرفض، هذه نصيحة لكل من يدخل فترة الخطوبة لا تنافق قل (لا) بكل ما يلزم ذلك من تهذيب ولا تقل (نعم) إلا إذا كنت مقتنعاً وتخلص من المفهوم السائد عن أن الزواج مقبرة الحب وأن الحب ينتعش عندما يفرغ الرجل من رأسه فكرة الإبحار في لجة الزواج ليظل يلهو على الشاطئ في مرح….
لن تنالوا الحب حتى تفهموه على حقيقته، وتجردوه من كل ما يعتريه من صفاته السطحية، وبعد ذلك ستكتشفون أن من الممكن العيش في علاقة حب داخل المؤسسة الزوجية ولعشرات السنين…

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار