العدد: 9368
18-6-2019
قبل أن يغادر ويهمّ بالسفر، قبّل رأسها ويديها، قال لها: أمّاه.. أيتها الغالية.. صلواتك.. أنا ما ودعتك، لأنّي لا أريد وداعك، لكن شعوراً وشيئاً ما يستدعيني إلى ذلك..
كان صمت ولحظات انتظار ضمّته إلى صدرها.. لكن شيئاً فشيئاً أخذت المسافة تباعد بينهما فغيّبت كليهما في وريدها.. وشفتاها تهمسان: رافقتك السلامة، كلّلت بالنصر يا بنيّ .. لقد خرجت من حضني، لكنّك لم تخرج من قلبي وظلّ عينيك الوديعتين الجميلتين في خاطري، أرجو لك تحقيق ما تصبو إليه، والنجاح في مهمتك، إنّ رائحة الأرض الطيبة واحدة، من باب منزلنا إلى حيث أنت ذاهب، وإنّ الدفاع عن كلا الموقعين واحد كالحبّ لا يتجزأ..
أجابها: أنت كهذا الوطن، ما سكن لحظة واحدة إلاّ في البال والخاطر، وإنْ خرجت من حضنك، فأنا في أحضان الوطن، وما اخترته الآن في طريقي الجديد إلى حيث من سبقني من الرفاق إلى خطّ الدفاع لمقارعة الأعداء، شعور حميم ملأني بالارتياح والسكينة..
أمّاه، إنْ لم أحقق معجزة مميزة وأعود إليك بالغنائم، لكنني سأروي بدمي ذرات من تراب هذه الأرض، وأكون لبنة خير لها أن تأخذ مكانها.
أنت حقاً مدرسة، أنت ذاك الوطن، تعلّمين أبناءك حبّ الأرض والدفاع عنها، وتغرسين الشجر وتسقينه، تمسحين دمعة عن وجنة طفل.. لولاك لا معنى لحياتي.. لن أطيل الحديث عليك، ولكن إن طال الرجوع ولم أعد، ربّ سرب من الطيور البيضاء قد تلمّ بأجواء قريتنا، قبالة منزلنا فأحسني وفادتها وتأمليها، فقد تبحث عن مهوى فوق تلال القرية، كالعائد من جبهات النصر إلى حضن أمّه، إلى حضن الوطن.
بسام نوفل هيفا