بين الشـط والجبل.. بلدتي التي أحبها

العـــــدد 9367

الإثنـــــين 17 حزيــران 2019

 

هو الليل بطيء الخطو مكتئبٌ، وثمة غيماتٌ يمطرن الرزايا، أيها الهاربُ أوقف قدميك، لقد غامت مقلتاي وهما ترنوان إلى خليج يفيق من وجع السفر . . .
كأنما الأيام تجمدت مفاصلها، والراحلون هبطوا مع الفجر، فدعني أبث وجعي لكل أولاء الذين غنوا الجرح الأرض . . .
دع كلماتي رؤى يجمعها المساءُ على الرصيف، لقد رحلت أقاصيصي، وما عادت مدينتي تشتاقني كعادتها . .
يومها . . كان الحنين يحملني على يديه، فيأخذني شوق رمَّد أنفاسه على خدّي وكانت الرؤى توزعني فوق المساءات الحزينة . .
فيا مدينتي التي أحبها . . هل تكفين عن الدمع هتونه؟ فها أنا أمشي دون ظلي تعبرني مواويل السفر، ويكاد يخنقني لهاثي . .
أومأت للريح: أن الهوينا . . دعيني أسمع زقزقات الصغار . . . دعيني أضم من قلقي جدائلها . . دعيني أوزع رحيقها على مرمر الشفتين . . دعيني أفرش ذكرياتي على رخام الأمسيات، واتركيني أقطف الورود من عشب عينيها . .
يا بلدتي التي أحبها . . جفَّ حلقي من نداءاتي الكسيحة، والرمل يلملم انكساراته في صباح على ضجيج فضميني إلى حنايا صدرك، فمعاً يحلو البكاء، وإمّا رأيتني ولو لمرة ضاحكاً، فإنما أنا أضحك لأهزم أدمعي . .
يا بلدتي التي أحبّها . . أنا أطعمتك أنباض أوردتي، وتركت مناديلك تستحم في قلبي، وافترشت كرماك لهيب الأماسي، وكم كم دعوت ألاّ تجفَّ يد السحب؟
أنت تعرفين أن للدم حمحمته التي تضج في الأوردة التي نما الرفض بداخلها فارتجف الدجى، وكبا الليل فوق عتبات الصباح،
يا بلدتي التي أحبها . . أنا صوتك المبثوث في رئة الفجر فاندلعي كالصدى . . وكوني مطراً يسافر والمدى . .

سيف الدين راعي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار