الوحدة:26-12-2023
صنوبرات السفح الغربي عصفت بها الريح الشرقية، فتساقطت ميتة بين ركام القبور..
خرنوبة رأس الجبل اقتلعتها عاصفة، هبت في الشتاء الذي مضى.. سياج “جنينة” أبو سالم”، أزالته فأس الخريف، ولا من يرفعه من جديد، لأن “أبو سالم” مات..
سنديانة البغدادي، أشعل الأطفال ناراً في تجويف أحدثته السنون في جذعها.. وهربوا..
وبعد أيام بدأ الذبول يدب في أغصانها.. يبست سنديانة البغدادي وليس عن سابق تصميم وإصرار من الأطفال، وإنما فعلوها للعب..
حجل الجبال غادرنا إلى جبال أخرى، ولم نعد نرى حجلاً واحداً يطير فوق السفوح..
الندى الذي لم يكن يفارق زرعنا جف، وانقطع..
والأمهات اللواتي كن ينتظرن رجوع أبنائهن من الغربة أو الحروب..
أكثرهن متن، وما من أحد قد عاد.
الريح الشرقية، هبت..
عندما كنا صغارا لم نكن لنخافها.. نندفع بعكسها.. نشاكسها في الاندفاع بوجهها.. ونضحك.. نضحك على الريح.
الريح الشرقية، هبت.. والآن لا أحد يشاكسها..
هكذا.. يبست الروح، ويبس الخبز.. ويبس الحب.. ويبس الندى هكذا.. غاب الكثيرون.. ابتلعتهم بحار الغربة، وغطتهم حمم الحروب، وطوتهم أمواج النسيان، والغياب.
هكذا.. اقتلعوا شجر الحور، والعين، والتوتة الكبيرة، والدالية المعرشة عليها بالـ بلدوزر ليوسعوا الطريق لعبور سياراتهم فوقها بأمان..
لماذا يوسعون طرق حياتهم، ولا يوسعون دروب حياتنا، التي لا معلم لها أبداً؟ يقضمون أرضنا، التي هي أرواحنا، في سبيل توسيع طرقهم، ودروبهم.. لماذا لا معلم طريق لأقدامنا؟ لماذا؟!
الريح الشرقية هبت ..
الريح الشرقية تيبس كل شيء
صغاراً لم نكن نعرف الخوف من الريح الشرقية..
إلى أن قالت لي أمي:
الريح الشرقية تيبس كل شيء..
تيبس الروح..
تيبس الحب..
وتيبس الخبز..
وتيبس العمر.
بديع صقور