العدد: 9365
13-6-2019
الموروث الشعبي جزء مهم من تاريخ وثقافة الشعوب، والوعاء الذي تستمد عاداتها وأسلوب حياتها منه، ويشكل جسر تواصل بين الأجيال، والحكايات مرويات في الكتب من قصص التراث الشعبي من العالم قديماً وحديثاً من صميم الحياة بكل ما تحمله من ألم وأمل وحب وكره ومفاجآت، وهي رحلة مشوقة بين أقطار متباعدة جداً تعبر عن ثقافة شعب ما وتنتشر على نطاق واسع بين أفراده، وتجعلنا نتعرف على أبطالها الحقيقيين، وهي مجهولة المؤلف ومتواترة منذ أزمان بعيدة تُحدث الانفعال في الأحداث وتثير المتعة في النفس وتنشط الخيال تتناقلها الأجيال وأحياناً يتم الإضافة عليها لتناسب طبيعة العصر وتحاكيه، ولشدة دقتها وتكرارها صارت جزءاً مهماً من روتين حياتنا التي لم نعد ننتبه إليها أو نعيرها أدنى اهتمام. الحكاية تنتشر عالمياً في أكثر من بلد وقارة ولا تختص بشعب بمفرده، تشمل أقطار وشعوب كثيرة في الشرق والغرب، لكنها موحدة الجذر من خلال طريقة عرضها وسردها وغرضها وهدفها ومراميها، قصص واقعية ممتعة تجعل القارئ مستمتعاً مشدوهاً يسرح في خياله حيث تأخذه نحو الخير والجمال والحب، وهناك قصص على ألسنة الحيوانات كما في كليلة ودمنة تم أنسنتها لإيصال العبرة والحكمة للقارئ، مثل قصة الكلب التي يرددها الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين كي يتذكر جميع من يسمعها معاملة حيواناتهم معاملة حسنة.
تصنف الحكايات بين قديمة ومعاصرة يتم تداولها شفهية أو مكتوبة على شكل قصة على حوامل متعددة ( أغنية- قصة- رواية- تلفزيون- مسرح – سينما) بلغة دافئة مكثفة عالية الشفافية، ومنها ما يحمل رسائل تربوية لدفع القارئ على التفاعل والانفعال لتكريس قيم الحق والخير والجمال وزرع مفاهيم العدل واحقاق الحق ورفع الجور والظلم عن الناس بأسلوب سهل ممتع ما يجعلها تسكن القلب والذاكرة.
الحكاية تعيدنا إلى عبق الماضي الزاخر بالصور والمشاهد الجميلة بأحداث وأشخاص ومواقف مختلفة بطابع إنساني عاطفي تناقش مضمون العلاقة بين الكائن والكون والانسان والطبيعة والكائنات الأخرى، تتمحور حول حب الحياة ومعالجة المشاكل الاجتماعية بتسليط الضوء على الخلل الكامن في العلاقات التي تحكم بين الناس وكيفية معالجتها بشكل عادل وحضاري ونبذ استعمال القوة والعنف والاستعانة بالدهاء والحيلة كوسيلة لإعادة الحقوق.
من الحكايات العربية المشهورة، حكايا ألف ليلة وليلة التي ساهمت بشكل مباشر في صياغة منهجنا العقلي وذاكرتنا الجميلة وأوقدت جذوة خيالنا وصرفت اهتمامنا إلى المستغرب والمستظرف، والحكايا الكثيرة عن بطش الاحتلال العثماني للشعوب العربية والتاريخ الأسود القبيح للسلاطين المتسلطين المستبدين أصحاب الموبقات جهاراً نهاراً الذين لم يتركوا فجوراً إلا وارتكبوه وما كان يجري في قصورهم وقصور حريمهم وراء الكواليس، وحكاية حصان طروادة إحدى حكايات ملحمة الإلياذة وهو حصان خشبي ضخم تركه الإغريق خارج أسوار طروادة بعدما فشلوا في فتحها حرباً عشر سنوات، وكان كبيراً وأجوف بحيث يتسع لعدة مقاتلين أشداء على دراية بفتح أبواب المدينة والقتال معاً، وعندما تراجع الإغريق عن الانتظار بعد السنوات العشر أقنع أحد جواسيسهم حكام طروادة بأن الحصان هدية لسكان المدينة واحتفلوا واحتسوا الخمر حتى الثمالة، عندها خرج المقاتلون من الحصان( الكمين- الفخ) وفتحوا الأبواب لجيوش الإغريق ودخلوا المدينة وقتلوا الرجال واستعبدوا النساء والأطفال.
هناك حكايا متناقلة عن الحب ورموزه منذ ما قبل الميلاد كقصة كليوباترا ملكة مصر والأمبراطور الروماني أنطونيو التي كانت هدية زواجها تقديم مصر لها مستقلة عن الأمبراطورية الرومانية وتوليها عرش مصر، الأمر الذي أثار حفيظة أوكتافيوس وقيام الحرب بينهما التي انتهت بهزيمة أنطونيوس وانتحاره، ثم اختارت كليوباترة الانتحار فيما بعد بقتل نفسها بأفعى الكوبرا على أن تدخل مشنشلة بالذل والعار في موكب النصر لأوكتافيوس، وحكايات قيس وليلى وحكاية الفارس العبسي عنترة وابنة عمه ليلى في العصر الجاهلي التي لم تكلل بالزواج، وحكاية عمر الخيام- الرباعيات التي باشر بكتابتها بعد فجيعته بمحبوبته ياسمين النيسابورية التي تزوجها أحد أثرياء حلب في نيسابور وحملها معه إلى حلب، ثم التقى بها عمر الخيام في حلب بعد طلاقها ووقوعها فريسة في مخالب المرض فتزوجها وعاد بها إلى نيسابور، وبعد خروجه من حلب بأسبوع واحد توفيت ليدفنها بيده تحت ظل شجرة عتيقة على طريق نيسابور، ومن عشاق الحكايات ورموز الحب كذلك روميو وجولييت للكاتب الانكليزي ويليام شكسبير التي نسجت أحداثها في مدينة فيرونا الإيطالية.
علينا الحفاظ على الموروث الثقافي الاجتماعي واحترامه وتوثيق الحكايا ودراستها وإصدار الكتب التي تتحدث عن حكايا بقية الشعوب، وإصدار كتب خاصة بالحكاية السورية بجميع مناطقها وبيئاتها لمنعها من الإندثار والضياع.
نعمان إبراهيم حميشة