بين الشـط والجبل … لغتنا المظلومة

العـــــدد 9365

13 حزيــران 2019

 

من واقع مشاهداتي اليومية خرجت بانطباعات محزنة عن واقع لغتنا العربية، وتساءلت بمرارة عن دور لجان التمكين للغة التي فقدت الكثير من خصوبة التوقّد المبدع، لغتنا التي أغنت حياتنا بكل جديد ومفيد، وكان عطاؤها ولازال ينبوعاً يقصده كل ظامئ علم أو عاشق قافية، يختار من لؤلؤها ما يرصع نتاجه أياً كان نوع النتاج -لغتنا تلك- لم تسلم من الأذى ومن محاولات الاعتداء والقتل العمد في زمن عصفت فيه المحن، واهتزت القيم واختلفت موازين الفكر، وهي على رحابتها لم تعد تغري البعض فهجرها إلى لغة بديلة.
شعرت برغبة ملّحة للكتابة عن لغتنا ومحاولات إخراج مفرداتها من التداول بعد واقعة حصلت معي في دمشق التي زرتها قبل عطلة العيد وهناك دعاني أحد الأصدقاء لتناول طعام الغداء، قصدنا مطعماً توضعت على واجهته لوحة مضاءة بلغة أجنبية.
بعد كلمات الترحيب والمجاملة الكاذبة قدّم لنا النادل (الليستا) وبدأنا نتصفح أنواع المأكولات والمشروبات كم كنا نحتاج لترجمان لفك طلاسم الكلمات ومعرفة معانيها ومنها: شاتوبريان، لوفينغر دجاج، فرابوتشينو نسكافيه، سوبريم دجاج، كراندين مع كيوي.. إلخ.
حاولت إخفاء جهلي وقلة معرفتي بأصناف كهذه فأنا من زمن آخر تقوم ثقافته الغذائية على أطباق شعبية مدت أجيالاً عديدة بأسباب البقاء.
قلت لصديقي: كما قبلت دعوتك سأقبل اختيارك لأي طبق، لكنه أصرّ أن أختار ما أشاء وأرغب، ضحكت وسردت عليه حكاية ذلك القروي الذي باع محصول زيتونه، وقصد أحد أهم مطاعم المدينة للترفيه عن نفسه بوجبة متمايزة مرة في العام، وبعد أن استوى على طاولته ناوله النادل (الليستا) فاستعرضها وتوقف ملياً عند أكلة اعتقدها جديدة على مطبخهم الريفي وكان اسمها محشي بخشب فطلبها، بعد دقيقة عاد النادل حاملاً صحناً من الزيتون قائلاً: ألا تريد شيئاً آخر، ضحك الرجل من جهله وقال للنادل غديتنا على كيفك، وأنا سأقول لك ما قاله ذلك القروي ورميت الليستا جانباً.
حادثة المطعم قادتني لسؤال حزين: هل استنفذنا كل مفردات اللغة العربية على غناها وحيويتها حتى نستعين بمسميات أجنبية، وأين لجان التمكين للغة العربية التي شكلناها منذ سنوات وكانت من أولى مهامها تعريب أسماء المحال والمطاعم والأطباق أيضاً؟ّ!

إبراهيم شعبان

تصفح المزيد..
آخر الأخبار