كوميديا بيضاء

العدد: 9365

13-6-2019

وجوهٌ تائهةٌ حائرة، تعلوها عيونٌ عابسةٌ مكفهرَّة، ابتساماتها صفراء باهتة، غابت ضحكاتها وأضاعت طريق الفرح.. ضجيج الصراخ والأنين والبكاء يطغى على كلّ الأصوات.. لم يعد لقهقهات البشر صدى وصداح، هل نسينا دروب السعادة والبهجة؟ أم هي من ضلّت طريقها إلينا؟
قبل عمرٍ قليلٍ كان للحياة طعمٌ آخر، ثقافة الفرح والضحك، والقلوب العامرة بالمحبّة، تستقبل روادها كل حين، كانت ثقافةً شائعةً، من بديهيات اليوميّات، لا تحتاج مَن يَنْظُم قوافيها، ولا من يسطّر كلماتها وحروفها، ولا كُتّاباً وأدباء ومفكّرين يفنّدون بنودها، ويضعون قوانينها وألف باءها، وينظّرون في حيثياتها وأصولها، وأسس نشأتها وتطورّها.
أمّا اليوم فإذا ما تلاقت عيناك صُدفةً وعينا أحدٍ ما يُبادرك السّؤال بتجهّم: ما بالك؟ وإذا ما أتبعتها بابتسامة تودّد واستلطاف، ضاقت به الدّنيا وعَبَس وتولّى وأصبحت في قفص الاتهام وكأنّك مجرمٌ عتيد ارتكبت ابتسامته جريمةً لا تغتفر!!
حتى أطفالنا الذين كانوا إذا ما ضحكوا في شارق الأرض أغرباً، كما قال الشاعر يوماً، صارت رنّات ضحكاتهم وكأنها همسات، لا لهوَ ولا لعب، تشغلهم تلك الشّاشات الملونّة بين أيديهم وتعزلهم عن عالم الفرح الطفّولي الذي تغيب ملامحه عن حياتهم، مع محاولات بائسةٍ منّا لزرع مبادئ السّعادة في نفوسهم، وجعل أرواحهم تطير فرحاً وابتهاجاً مع كلّ إشراقة وجهٍ جديد.
أصبحت حياتنا دراما كوميدية، بيضاء لا سوداء، البؤس والشّقاء والألم يثقلون كواهل البشر، هم أبطالها ومخرجوها ومنتجوها، أمّا المشاهدون ينتظرون على قارعة الحياة بصيص أملٍ يعيد للوجوه أرواحها وللقلوب نبض حبّها على رصيف ما بقي من العمر.

ريم جبيلي 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار