خمسة طبول.. خمس سنين ..

الوحدة: ١٧-١١-٢٠٢٣
“ليس كقلب المرأة، من قلب في هذا الوجود، ينبض بحب السلام، إذ ليس من قلب، كقلبها، يلتاع في الحروب “.
د.نجاح العطار
منذ أربعين وما يزيد ودّعته بلوعة.. خفق قلبها حزناً عليه، وانسكبت دموعها غزيرة.. إن قلب الأم دليلها.. وقلما يعود الذين يذهبون إلى الحروب.. لكنه الوطن.. نذرت على نفسها، حين يعود محمد، أن تقف أمام عتبة كل بيت في قرية الجوز وتنزع منديلها عن رأسها، وتمده على عتبة البيت ليطأه كل خارج وكل داخل.
وأقسمت أيضاً أنها ستحضر خمسة طبول مع خمسة طبالين من أبرع طبالي قرية زنزف ليشعلوا الفرح في قرية الجوز وجوارها، في قرع طبولهم، خمسة أيام ، وخمس ليالٍ.. فرح ونذور ورقص وغناء.. خمس سنين وكلما جاءت ذكرى يوم الرجوع ستشعل قرية الجوز بالفرح وقرع الطبول وسترفع المحرمة وترقص بها.. المحرمة التي طرزت عليها أخته “محمد الله يحميك” محاط بزهرتين ومعلق فوق مرآة بيتهم الطيني كل صباح تكحل أم محمد عينيها برؤية المحرمة تتطلع إليها بشوق والتياع وتهز رأسها: وهل سأراك ؟ “محمد الله يحميك”.
خمس سنين.. عشر سنين.. عشرون.. ثلاثون.. أربعون.. ومحمد لم يعد.. هذا الصباح لم تنهض أم محمد.. لم تكحل عينيها برؤية المحرمة والزهرتين.. هذا الصباح أغمضت أم محمد عينيها وأسلمت الروح، ولما يعد محمد بعد من الحرب. يوم لا يعود أحد من الحرب، معنى ذلك أنها كانت حرباً ناجحة (بوريس فيان)
غابات الحروب شائكة.. وعرة.. وموحشة.
ها هي عصافير السماء تتقافز فوق أغصان أرواحهم.. أيها العابر.. كيف تركت هذه الأرض.. هذه الغابات، وهذه الأنهار، وهذه الجبال، وهذه العيون العالقة كالثلج تحت أهداب الصخور؟
من قال: إن الأرواح زينة الحروب؟ وهل من زينة للحروب؟.
أيها العابر .. أظنني أعرف كلنا يعرف، أن الوحوش الداشرة من بني الإنسان، لا تقيم للأرواح وزناً.. اقتناصها أسهل عليها من شربة ماء..
أيها العابر.. حين لا يعود أحد من الحرب.. هل ستضيق شوارع السماء، ولن يكون لنا هناك موضع زهرة ؟؟
“هكذا ينتشر الإرهاب كخيط أحمر، خلال التاريخ والقطعان الحيوانية إذ تشاهدنا، تكف عن حسدنا عن نعمة العقل”.
المفكر والفيلسوف أحمد حيدر
الآن، ومنذ آلاف السنين تشكل خيوط الدم ينابيع وأنهاراً.. ألم تشبع الأرض بعد من دم الأبرياء؟!
متى تتكسر أغصان الشر المتطفلة على شجرة الحياة؟.
وحدهم الأشرار يشبهون الأشواك والحيوانات المفترسة.. أولئك السفاحون المنتشرون كالجرب فوق جسد الأرض، يحرّون أعناق الآخرين مستمتعين بسفح دمهم.. متهمين إياهم بالشغب على الشمس والأزهار.
بكيت على السراب فحين ولّى وأوحدني بكيت على السراب
بدوي الجبل
وتركض على ضفاف السراب.. معاً، نركض.. معا، نشتاق قطرة ماء.. بيت الظمأ يكاد أن يصير قرى متناثرة..
قريباً نتوحد مع آلهة السراب.. لكل زمان سرابه.. وتلك فجيعة الأبد.
بديع صقور

تصفح المزيد..
آخر الأخبار