اختناقات معيشية

الوحدة: ١٥-٩-٢٠٢٣
يختلف تفكير الرجل عن المرأة في اقتصاديات البيت ومصروفه، ليكونا وجهين لعملة واحدة، تصرف في اختناقات معيشية يومية بيد قاصرة، يحجمها التعتير، والزوجة مهمتها جبر خاطر البيت والأولاد، وحساب يعصف بالأذهان، حيث تتقن وضع الخطط بجداول وتسميات جديدة تواكب العصر والأوان، لتنسج ثوب سترة الحال وترقعها بدين من الدكان، وتحسبها بالأمبير والغرام والواط لأجل يوميات الحياة بسيناريوهات متعددة، فكيف نمضي بأيامنا القاهرة التي يعجز فيها صاحب الأموال؟.
سلام موظفة منذ أكثر من عشرين عاماً، متزوجة وأولادها في المدرسة، أشارت بأنه كان لديها بعض المدخرات التي خبأتها لليوم الأسود لكن لم تظن أنها سنوات عدة عجاف، حيث بدأت الأسعار بالارتفاع ، والذهب يستطير وكانت قد اشترت منه الكثير، فهو زينة وخزينة كما أوصتها والدتها، وزوجها يردد ماذا تفعلين ؟ رواتبنا لا تكاد تكفي العيش؟ لكنها لم تسمع منه ولو كانت قطعة ذهبية صغيرة في الجيب ، واليوم وجدتها في الرصيد فولداها يحتاجان الدروس الخصوصية ومجاراة الزملاء التي أطاحت بالأرباح، مع أن اللباس من البالة. ولا جديد وكل شيء تصنعه بيدها حتى الشاورما والشيش، وفي المناسبات لا تحرم نفسها وعائلتها من البحبوحة في المشاوير، كما أنه يترتب عليها زيارة الأهل والوالدين وبعض الواجبات الاجتماعية التي تضعها في إحراج، لكنها مستعدة دائماً للمواجهة في حلبات الحياة وليست قاصرة أو يوقفها إعجاز، وتفتح أوراق حساباتها لرصيد بات قريباً من الصفر بعد بيع بلا اعتماد، ولا يمكن أن تنسى أنه اقترب التقاعد لكنه لن يكون إلا بعد الستين لتأخذ راتبها كاملاً، كما نصحتها تجارب الحياة، وليس خبراء الاقتصاد ( كل واحد بيتعلم من كيسو). وليس في ذلك استعجال، فهي ما زالت في شباب، واليوم ورغم الشدة التي نعيشها من قهر وظلم الحياة وارتفاع الأسعار بجنون تحاول ستر الحال وتأتي بالخضار من السوق پأسعار أدنى بكثير من الدكان تحت البناية التي تسكنها، ولا تشتري منها إلا في الأوقات الحرجة والمفاجآت، حيث تقطع الخضار وتصنع المونة لزميلاتها في الوظيفة اللواتي يعشن ببحبوحة ويسر لتنفرج حالها بعمل مضاف، ولا تتردد أن تجلب من عند جارها ما بقي في الصناديق من خضار ذابلة عند المساء بسعر زهيد، فيكون فيها بعض التوفير لوجبات غداء اليوم التالي لترمم تصدعات وانكسارات المعاش، فهذه الأيام تحتاج بعض التكتيك، ولم يعد لديها ما تبيعه فكل ما جنته ذهب وطار، وليس عليه أسف، المهم أن الصحة والأولاد بخير وما بعد الضيق غير الفرج…
هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار