العدد: 9357
29-5-2019
منذ بدء التكوين، وإبداع الخالق عز وجل لأروع وأميز مخلوقاته وهو الإنسان، فقد وهب الله سبحانه وتعالى له أُذنين ولساناً واحداً فقط، ولعل الحكمة من هذا الكرم الإلهي والفضل الرباني كي يسمع الإنسان ضعف ما يتكلم، ويقول نصف ما يعلم.
وإذا كان هناك ما تم الاتفاق على تعريفه وتصنيفه (بفن الاتصال أو فن الكلام)، أي القدرة على التعبير عن الذات، وإيصال المعلومة للآخرين، فإن هناك بالمقابل ما يمكن تسميته (فن الإنصات) أيضاً، وهو تلقي الأفكار والرسائل والمعلومات المختلفة بكل جوارح الجسم، والتفاعل معها من خلال الإقبال العقلي والنفسي مع التركيز التام وعدم الانشغال إطلاقاً.
ويعد الإنصات ذا أهمية كبيرة وفعالة في عملية الاتصال لأنه أساس كل تفاعل حيوي وناجح، ويسهم في تحسين وتوطيد مجمل العلاقات الإنسانية والاجتماعية، ولهذا يجب على كل فرد في هذا المجتمع أن يتعلم كيف يُنصت ويُصغي بشكل سليم ودقيق.
تقول حكمة قديمة: إذا جالست العلماء فأنصت لهم مرة، وإذا جالست الجُهال فأنصت لهم ألف مرة، لأن في إنصاتك لكل منهما فائدة في المعرفة وزيادة في العلم، ومن المعروف أن للإنصات وصايا ذهبية عشر تتلخص جلياً فيما يلي:
* عليك أن تتوقف عن الكلام تماماً، فلا يمكنك أن تُنصت وتَتكلم في الوقت نفسه وباللحظة ذاتها أبداً.
* أشعر مُحدثك بأنه يستطيع أن يتكلم بحرية وطلاقة وسهولة، وذلك من خلال إزالة أي تردد في نفسه، أو أي عائق من عوائق الاتصال.
* أظهر لمُحدثك بأنك راغب في الإنصات له بشكل جدي، فلا تقوم بفتح الأوراق والملفات والمراسلات أمامه، وأشعره من خلال كل تصرفاتك ونظراتك بأنك مهتم بكل ما يقوله لك، وكأنك تقول له: كُلي آذان صاغية لك.
* لا تقم بأي حركات غير مقبولة، تسبب لمُحدثك التوتر وعدم القدرة على التركيز في إتمام سرد أفكاره وحديثه.
* ضع نفسك في مكان مُحدثك، حتى تستطيع بالفعل أن تقدر تصرفه وموقعه وحالته بشكل صحيح وواقعي.
* تحلى بالصبر ولا تقاطع مُحدثك، ولا تُظهر أي حركات أو إيحاءات يُفهم منها بشكل مباشر أو غير مباشر بأنك ترغب شخصياً في إنهاء هذه المحادثة.
* قم بالسيطرة على أعصابك جيداً، ولا تغضب بسهولة، لأن الإنسان عند الغضب يَفهم الكلام من مُحدثه بمعنى خاطئ وغير مقصود.
* كن لبقاً في نقاشك ونقدك لآراء مُحدثك، فلا تهاجمه باستمرار، لأنه عندها سيحاول الدفاع تلقائياً عن نفسه طيلة فترة المحادثة والنقاش معه.
* لا يكن مبتغاك من النقاش أو الجدال هو الانتصار على مُحدثك، لأنه حتى في حال انتصارك عليه في نهاية حواركما، فلن تَكسب شيئاً يستحق ذكره من جراء ذلك.
* شجع مُحدثك أثناء حديثه، وذلك من خلال توجيهك لبعض الأسئلة المناسبة والمقبولة والمريحة، لتُشعره بمدى عمق صدق إنصاتك له، وجدية فهمك للنقاط الغامضة والمبهمة في بعض جوانب حديثه.
وأخيراً يتوجب عليك شخصياً وبشكل ذاتي أن تحاول تحقيق ما يتم تسميته مصطلحياً بالمستمع الإيجابي والذي يساوي وزنه ذهباً، حتى تَكسب القلوب، وتَحصُد الود، وتَنال فائق الاحترام، وتُنشئ عدداً من الصداقات الإنسانية الصادقة، والعلاقات الاجتماعية المتميزة، وتزيد نجاحاتك المهنية، وتجني الأرباح، وتنعم بحياة رغيدة وهانئة.
د. بشار عيسى