العدد:9279
28 -1 -2019
منذ البداية صمّم الروائي الكبير نجيب محفوظ على أن تكون العربية الفصّحى هي أداته في الرواية، في السّرد، والحوار، وتصدّى لانتقادٍ قاسٍ فقد قال بعضهم: إنّ إدارة الحوار بالعربية الفصّحى في رواياته يستفزّ القارئ، فالحوار الفصيح الذي يجري على ألسنة الشخصيات في الأحياء الشعبية ليس واقعياً.
دافع نجيب محفوظ عن اختياره العربية الفصّيحة في نتاجه بثبات وقوّة، وقد أكّد أنّ اللهجة العاميّة من جملة الأمراض التي يعاني منها الشعب، وكان يعّد العاميّة من عيوب المجتمع مثل الجهل والفقر والمرض، والعاميّة مرض أساسه عدم الدّراسة والذي وسّع الهوّة بين العاميّة والفصّحى في رأي نجيب محفوظ هو عدم انتشار التعليم في البلاد العربية، وكان الّرد القويّ لنجيب محفوظ على منتقّديه هو المواظبة على الإبداع بالفصّحى وكان يرى أنّ اللغة وجهٌ من وجوه الحضارة يتشكّل بتشكّلها ويتقدّم بتقدّمها ويتنّوع بتنّوعها ويستوعبُ من الأفكار والأشياء ما تستوعب، والفارق كبير وملموس بين ما كانت عليه العربية التقليدية، وماهي عليه اليوم في جميع مظانّها من كتب رفيعة وكتبٍ جماهيرية وصحافةٍ يومية والمكتبة العربية ما قلّة بالكتب الموضوعة والمترجمة في الآداب والإنسانيات، والفلسفة والعلوم بل لا تخلو مادّة من قاموس خاصٍّ يفي باحتياجاتها، ويُرجَعُ إليه عند الحاجة، وهذا يدلّ على حيوية اللغة العربية ومرونتها واستجابتها التكامل والتضامن.
ولقد رأى الكاتب الكبير أنّه ممّا يسيء إلى اللغة المحافظة عليها جامدة، حيث لا خوف من أنّ تتمتّع العربية بالحرية التي تحظى بها اللغات الحديثة.
ونشير إلى أنّ الكاتب الكبير يوسف إدريس كان يدأبّ على استعمال اللهجة العاميّة المصّرية في نتاجه وقد جاء في تقديم الدكتور طه حسين المثبت في مجموعة (أرخص ليالٍ) القصّصية الطبعة الثالثة: كأن الكاتب قد خُلِق ليكون قاصّاً، ولكني أتمنّى عليه أنّ يرفق باللغة العربية الفصّحى، ويبسط سلطانها شيئاً ما على نفسه.
فهو يُفصح إذا تحدّث، فإذا أنطق أشخاصه أنطقهم بالعاميّة كان يتحدث بعضهم إلى بعضهم في واقع الأمر حين يلتقون ويديرون بينهم ألوان الحوار، وما أكثر ما يخطئ الأدباء!
حين يظنّون أنّ تصوير الواقع في الحياة يفرض عليهم أنّ يُنطقوا الناس ممّا تجري به ألسنّتهم من أحاديث الشوارع والأزقّة.
فما أشدّ الفرق بين نجيب محفوظ الذي أحبّ اللغة العربية الفصّحى وأبدع فيها وبين يوسف إدريس.
عزيز نصّار