أم ياسمين

الوحدة: 22- 8- 2023

تقاسمنا مقعداً واحداً في باص النقل الداخلي ..

كان حر آب ضيفاً ثقيلاً ثالثنا ..

حمولتها الثقيلة لم تمكنها من الوقوف في البداية لذلك دعوتها أن تشاركني ذلك المقعد الصغير ..

أطلقت تنهيدة وبدأت تشكرني وتعتذر عن ماسببته لي من ازعاج رغم أني كنت سعيدة ..

تبادلنا أطراف الحديث .. لتخبرني باختصار أنها تزرع محصولات بسيطة في أرضها المتواضعة ، وتعتني بها جيداً، وتنزل إلى المدينة وتبيعها  لأشخاص حسب الطلب على الهاتف ..وتضيف ..كل من أتعامل معهم هم قمة في الذوق والأدب ويقدرون تعبي وعناء الطريق وأجور المواصلات وأنا بالمقابل أنتقي لهم أفضل المحصولات من ورق العنب والملوخية وماشابه ..

عندي ابنة تدرس وزوجي توفاه الله منذ سنوات ولا معيل لنا سوى قطعة الأرض البسيطة التي نمتلكها، ورغم صغر مساحتها فقد حولتها إلى مشروع زراعي صغير ..يكفيني أنا وابنتي والحمد لله لم أطلب يوماً مساعدة مادية من أحد ..

أم ياسمين ..سيدة خمسينية من بلادي ..أبت أن تستسلم لأشواك الظروف وقسوتها .. وعملت بحب وإيمان ..وانعكس صفاء روحها الجميلة، وصدق تعاملها على حياتها اليومية حتى باتت محصولاتها مطلب الكثيرين ..

أم ياسمين ..في حديثها الصباحي ورغم أني لم أكن أعرفها من قبل ..عطرت أرجاء المكان رغم الازدحام ..وعلمتني أننا نستطيع أن نفعل شيئاً مفيداً حتى لو اعتقدنا أن الطرق كلها مسدودة ..وأن زراعة كل شبر من الأرض واجب علينا جميعاً في هذا الزمن الصعب ..

لم تزرع أم ياسمين الأرض بالمحاصيل فقط ..بل زرعتها بالأمل والحب..ومن ابتسامتها كانت  تشرق شمس أخرى ..

ودعتني ونزلت في محطتها المنشودة ..وهي تحمل أكياسها التي تفوح منها رائحة أصالة وخصرة وبلادي وياسمينها النقي الذي لايغيب في كل الفصول !!

منى كامل الأطرش

تصفح المزيد..
آخر الأخبار