الوحدة : 6-8-2023
من رماد الألم ووحشة صمت المرض وأنينه تحت وطأة أملها وامتلائها بالحياة والوجود، تضفر من صهيل وجعها ورداً وتفوقاً، لترى فيها فصاحة الإقدام والاتساع، وتفوقها ليس محطة عابرة بل بصمة تفردت بها لتكون نموذجاً يحتذى به في الصبر والشجاعة والإيمان، فقد انخرطت في معترك المرض والامتحان، وقد اشتد الألم بها وما كانت لتقهر أو يطال من حلمها الوردي لتمضي إلى النجاح والتفوق بكل اقتدار، فلأمثالها ألق الوجود والإبداع ومدى البقاء.
لا تختفي قوافي النجاح والتفوق عند الشابة زينب خير بك، وكانت قد خاضت امتحان البكالوريا بآلام وأوجاع مرض السرطان، وزاحمت درب رفاقها بالإصرار والتفوق وليس فقط النجاح، تقول زينب: كنت بالفصل الثاني من الصف الحادي عشر عندما اكتشف الأطباء مرضي، رفضت بداية العلاج، لكن لما اشتدت الأوجاع بأقطاري وضعف جسدي رجعت لطبيبي لبدء العلاج بالكيماوي، وهو ما أخرني عن مواكبة رفيقاتي بالدروس الخصوصية، ومع بداية الفصل الدراسي أو قبله بشهر رجعت للدروس مع التزامي بمراحل العلاج فقد كنت أخذ الجرعات كل 21 يوماً، وكانت مؤلمة ومرهقة لكني أريد متابعة دروسي، فسرعان ما أرجع إليها رغم توصيات الطبيب لي بالراحة والاستجمام، كنت مصرة على التفوق، فمنذ صغري ومراتبي عالية بالدراسة فهل أتنازل عنها بسبب المرض؟
لا لن ينال مني المرض أبدا ولن أتقاعس عن درسي وحلمي وسأدخل الكلية التحضيرية كما أرغب، وصحيح أني لم أنل غير 230 علامة ونصف غير أنها ستكون الأعلى في الدورة التكميلية التي سأقدم فيها امتحان مادة الرياضيات فقط، فقد كنت في يوم امتحان الرياضيات بحالة سيئة مع نزيف بأنفي، وكان موعد الجرعة قد حان لكني كابرت على الوجع وجلست على المقعد في القاعة الامتحانية وبالطابق الثالث بأوجاع مبرحة تعصر القلب وتفتق الأكباد، فتارة أكتب وتارة أضع رأسي على المقعد أغفو قليلاً لأجل أخذ رمق وشهقة لمتابعة الكتابة والامتحان، وما كان لوجعي أن يقهرني، ووقتها كان والدي قد وصل إلي يحمل توصية من طبيبي أن يشدني ويخرجني من الامتحان بقوة ورغماُ عني فقد كانت التحاليل التي أجريتها قبل يوم بحالة إنذار للهلاك، حيث المناعة 0 و خضاب دمي 6 والصفيحات 15، وما كنت لأترك القاعة قبل الانتهاء، وصعد إلي والدي يرجوني أن يحملني لينزل بي الطوابق الثلاثة لكني تمنعت عن ذلك ونزلت بكل أتعابي وأوجاعي متهالكة أبغي المشفى لأخذ الجرعة 4 أكياس دم و10 صفيحات، يومها تعبت جداً وكان بعدها مادة الإنكليزي، كنت أخرج من المشفى على مسؤوليتي فقد كان وضعي حرجاً طوال أيام الامتحان، فمنذ اليوم الأول للامتحان كنت أخذ الجرعة لأبدأ رحلتي مع الامتحان والعلاج، أحمل كتبي إلى المشفى وأدرس حتى وأنا أتلقى الجرعة والدواء يتفشى بجسدي وحرارتي لا تنخفض عن 40 درجة فأتناول السيتامول الوريدي وأذهب للامتحان، لقد داومت بين المشفى وقاعة الامتحان، لم أرض أن يكون امتحاني بمركز المرضى وهذا ما كان قد خفف عني ولا يرضيني، فالأحب إلي أن أكون بسوية رفيقاتي وعلى مقاعدهن، والحمد لله أنا بخير لكن نتيجتي لم ترضيني لقد بكيت كثيراً عندما علمت بعلاماتي، لكن لدي الفرصة لأعوضها، وسأنال مبتغاي بإذن الله، وأدخل التحضيرية، وأنا أدرس اليوم رغم وجعي والجرعات، كنت بأصعب حالاتي أستيقظ من نومي في الساعة الثالثة صباحاً لأبدأ رحلتي مع الدرس وكل الفضل في نجاحي لأمي وأبي أولاً وأخيراً لما تكبدا معي من تعب ووجع، لكني أطمئنهما أني بخير ولن يغلبني المرض أو ينال من حلمي، وسأكون ابنتهما الطبيبة التي حلما بها ورفيقتهما التي يفخران بها مدى الحياة.
هدى سلوم