الوحدة:3-8-2023
بغض النظر عن الضرر الجسيم الذي أصاب تلك الجبال ومكوناتها الحياتية جرّاء هول الحرائق، فقد لحق أذى أصعب وأكثر ألماً، أصاب صُلب النفوس ودمّر ما تبقّى من الأرواح العاشقة المتيّمة بجمال ذلك الشمال الوادع، لقد أصبح المكان سكناً مجانياً للظلام القاسي، أغمض على تلك الروابي الخارجة من أطراف الجنّة، لم يُبق من رونقها إلا طُرقاً رفيعة ظهرت أخيراً للعيان، كانت تختبئ بين أغصان الصنوبر، أصبحت تشبه شرايين الطاعنين بالسن تلتف حول سواعد متعبة تمكّنت منها السنين، تنتظر الباقي القليل، ماتت البيئة وأنواعها الفريدة، واستمعت التضاريس الحنونة لألحان الموت المتنقّل، نار لا تشبع، تارة هنا وتارة هناك، تقضم الكثير وتطلب المزيد، تحوم الطيور بأجنحة الخوف الحزين باحثة عن أعشاش حياتها وفراخها المنتظرين، أوكار الحيوانات المخفية المتوحشة والأليفة ظهرت، تناثرت حولها فراخ الحياة المشوية، معلنة عن موعد آخر من الانتظار الطويل لإعادة الروح وتقديم الأمل بالباقيات من السنين، كان هذا الشمال موعداً مضروباً لصيف الراحة والاستجمام، لينقلب إلى لوحة سوداء، دفع فاتورتها وطن حزين، عبر شباب راهنوا على البقاء، لإطفاء كارثة سبقتها كوارث ونكبات قاتلة، من زلزال مباغت وأعاصير وطوفانات وسبقهم وباء لعين مستورد، إلى حرب عبثية إرهابية كان هذا الشمال الملكوم ساحتها الساخنة، وأصوات الحقد المتفجّر يرافق لهيب النار وتمدّدها معلناً عن الغدر المتربص، فكلُ أنواع الموت والتعب والحزن مرّ من هنا، أما آن للشروق أن يعلن الظُهور فيغيب السواد عن المشهد.
سليمان حسين