من حكايا الزلزال

الوحدة:17-7-2023

استجمع قواه كمن يريد أن يحارب قوة عظمى عندما سألته عن ذاك اليوم الحزين (يوم الزلزال) وقال بصوت مخنوق لا أحب تذكره، لا أحب حتى أن يمر في خيالي أية لحظة من تلك اللحظات التي غيرت مصيري ومصير أبنائي وجعلتني وأنا في عمر الستين أحاول من جديد أن أشق طريقي كمبتدئ في بداية الحياة لا أملك أي شيء، وأمكث في مركز إيواء أنتظر فرج القدر، وبدأ السيد معد حامد عثمان من قرية اسطامو يتذكر ذلك التاريخ، وذلك الفجر الذي لا يشبهه فجر آخر مرّ في السابق على رأسه، ففجر السادس من شباط كان مختلفاً بكل المعايير، وكان غضب الطبيعة فيه عارماً قاسياً حزيناً، استيقظ على صوت الرياح القوية والكهرباء مقطوعة، كان نائماً بغرفته وابنه نائم بالقرب من المدفأة حين بدأ الزلزال وبدأت الهزات، تذكر كيف سحب ابنه إلى تحت مفرش السرير ليحميه من تساقط حجارة الجدران، وما إن هدأت الهزات قليلاً حتى حملا مفرش السرير فوق رأسيهما وقد تساقطت الأدوات الكهربائية في أرض المنزل وقع البراد والغسالة والتلفزيون..كان يوماً لاينسى أبداً، قبل أن تطأ أقدامنا الدرجات الأولى بدأت الأعمدة تتكسر، وتنفصل بلاطة السقف عنها وعن الجدران الباقية، ظننت أنه يوم القيامة، صارت الأعمدة تميل باتجاه الاهتزاز ولا تعود لمكانها.. والكلمة الوحيدة التي ترافق خطواتنا وأفكارنا كلمة (ياالله..ياالله) ..انشق السقف وأصبحت الأمطار داخل البيت أكثر من خارجه…البناء من أربعة طوابق، عندما وصلنا إلى مستوى الطابق الأول انزلق الدرج باتجاه الشرق ومال البناء بأكمله وأكوام البلوك في كل الاتجاهات، تأذت قدماي ويداي وأنا أحاول إبعاد الركام من بين أقدامنا، اتجه أحد الجيران نحونا وكاد أن يقتل نفسه وهو يحاول إنقاذنا…المهم وصلنا إلى الأرض ومع وصولنا انهار المحضر بأكمله، وأحمد الله من كل قلبي فقد نجوت وابني بأعجوبة ولكني خسرت كل ما جنيته وبنيته كل حياتي…كنت أملك أربع شقق في المحضر وأربعة محلات انهارت جميعها برمشة عين، وتحولت حياتي وأبنائي رأساً على عقب. أخذ نفساً عميقاً ثم تابع: ليس الزلزال المسؤول عما آل إليه مصيري وأبنائي، وإنما التنفيذ السيئ والنقص في مواد البناء والحديد المخالف لمواصفات الرخصة التي منحت للبناء، ووجود نسبة شوائب عالية في المجبول الإسفلتي المستخدم في الأعمدة والجسور وووو ..وحالياً نقضي حياتنا في مركز الإيواء، عمري ٦٠ عاماً وعندي ثلاثة أولاد وكلنا في مهب الريح بلا مستقبل ولا أحلام ولا أي رصيد لقادمات الأيام. بعد ثلاثة أيام من الزلزال عندما بدأت استوعب ماحدث تمنيت لو لم أخرج حياً.. لم يخطر ببالي أن أعيش اليأس هذا بعد أن قطعت شوطاً من الكد والجهد والتعب لتأمين بعض الأمان للأولاد، وإن كان هناك مجال للأماني أتمنى السرعة بالتحقيق وتقديم الجلسة القضائية لتحديد المسؤولين عن هذه الكارثة التي قلبت حياتنا ودمرت مستقبلنا وقتلت أحلامنا وشغفنا بالحياة، فأرواحنا وأرزاقنا ليست لعبة بيد التجار.

سناء ديب

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار