مخاطر الزراعات غير النظيفة وأثرها على صحة الإنسان والبيئة

العـــــدد 9351

الثلاثـــــــاء 21 أيار 2019

 

تعتبر الزراعة النظيفة إنتاجاً اقتصادياً اجتماعياً بيئياً متكاملاً وهو أسلوب إنتاجي زراعي يتجنب فيه استخدام المواد الكيماوية أو المبيدات أو سقاية عن طريق الصرف الصحي، فقد وجدت الحاجة إلى ضرورة اتباع أسلوب الزراعة النظيفة نتيجة تدهور تركيب التربة والتراجع في جودة الغذاء لوجود الكثير من المتبقيات المؤثرة على الصحة العامة للإنسان.
المكافحة الحيوية كبدائل للمبيدات
وأمام هذا الواقع لابد من التدخل بشكل مباشر في ظل الزراعات غير النظيفة من أجل حماية النظام الزراعي ما يقتضي فرض الكثير من الضوابط على النشاط الفردي من ناحية الحماية الزراعية والبيئية واتباع أخلاقيات للمزارعين وتقيدهم بوسائل الزراعة النظيفة.
ولمعرفة ماهي الممارسات التي تستند عليها الزراعات النظيفة للحفاظ عليها باستخدام المكافحة الحيوية كبدائل للمبيدات كان لنا وقفة مع الدكتورة ناديا إبراهيم الخطيب رئيسة دائرة المكافحة الحيوية مركز تربية الأعداء الحيوية في مديرية زراعة اللاذقية الذي حدثتنا الآتي:
تشير تقارير منظمة/ FAO/ إلى أن الآفات الزراعية تسبب خسائر بالغة للمحاصيل الزراعية تبلغ 35-40% مما يدفع المزارع إلى استخدام المبيدات الكيماوية وهي الوسيلة الأسرع في القضاء على الآفات، ولكن الاستخدام الخاطئ لها مع زيادة عدد مرات الاستخدام والتركيزات العالية أدى إلى زيادة معدلات التلوث وتراكم بقايا هذه السموم في غذاء الإنسان والتربة والبيئة المحيطة.
وقد أثبتت العديد من الدراسات أن المبيدات الكيماويات الزراعية لها تأثيرات سرطانية على الإنسان وتأثيرات جانبية تحدث التشوهات الخلقية والأورام الناجمة عن تراكم المبيدات الكيميائية بكميات قليلة خلال فترات طويلة.
ولفت د. الخطيب إلى أن تطبيقات المكافحة الحيوية أحد أهم الاتجاهات الحديثة في العالم التي استدعت الاهتمام الجاد بهدف الحصول على بيئة سليمة ومنتج آمن خالٍ من الأثر المتبقي للمبيدات، وتعد سورية من الدول الهامة في هذا المجال.
ويهدف برنامج المكافحة البيولوجية في سورية على نظام تحسين نوعية المنتجات الزراعية السورية للحصول على منتج آمن ونظيف خالٍ من المبيدات السامة نظراً لما يسببه استخدام المبيدات العشوائية من سموم على صحة الإنسان والحيوان والمخاطر الكبيرة الناتجة عن الإخلال في منظومة البيئة المحلية والتوازن الحيوي.
الخطط الإنتاجية لعام 2019
وأضافت د. الخطيب إلى أن المركز ينتج حالياً نحو 7 أنواع من الأعداء الحيوية وفق الخطط الإنتاجية التالية لعام 2019:
* المفترس كريبتوليموس مونتروزيري لمكافحة مجموعة حشرات البق الدقيقي على أشجار الحمضيات 800 ألف مفترس.
* مفترس الاكاروس الأحمر فايتوسيلوس برسيميلس لمكافحة العنكبوت الأحمر ذو البقعتين على محاصيل البيوت المحمية مليون مفترس.
* المتطفل انسيرتوس أورانتي لمكافحة الحشرات القشرية الرخوة على أشجار الحمضيات 50 ألف متطفل.
* الفطر تريكوديرما على شكل أطباق حاملة للفطر ومسحوق بودرة لمكافحة فطريات التربة، الخطة الإنتاجية 5000 طبق بتري و1،5 طن مبيد حيوي على شكل مسحوق بودرة.
* المتطفل أفلينوس لمكافحة حشرة المن القطني على التفاح 500 ألف متطفل.
* المتطفل تريكوغرامابرنسيبيوم لمكافحة حشرات حرشفيات الأجنحة /بيوض/ على محاصيل البيوت المحمية 60 مليون متطفل.
* المتطفل براكون لمكافحة حشرات حرشفيات الأجنحة /يرقات/ مليون متطفل.
وأكدت بأن المركز منذ تأسيسه يقوم على توزيع جميع الأعداء الحيوية المنتجة فيه مجاناً على المزارعين.
الآفاق والخطط المستقبلية
* وعن المخطط المستقبلية لحماية المحاصيل الزراعية من الملوثات أوضحت د. الخطيب وضع برامج تربية وإكثار أعداء حيوية جديدة وذات كفاءات حيوية عالية في تخفيض أعداد أهم الآفات الاقتصادية غير المستهدفة حالياً.
* توسيع نطاق المحاصيل المستهدفة حيوياً لتشمل آفات الزيتون والتبغ والأشجار الحراجية.
* يتم حالياً التجهيز لإنشاء معمل للمبيد الحيوي / Beau veria bossiuha/ بعد موافقة رئاسة الحكومة ووزارة الزراعة على إنشائه وتمويله في مبنى المبيدات الحيوية في دائرة المكافحة الحيوية، مديرية زراعة اللاذقية.
يهدف المعمل إنتاج أبواغ هوائية ومغمورة ومنتج أنزيمي من الفطر الممرضB bassiaha وتشكيلها بصورة مبيدات حيوية لمكافحة أهم الآفات الاقتصادية في سورية.
يعمل الفطر بشكل فعال تحت الظروف الطبيعية ضد الكثير من أنواع الحشرات الاقتصادية الضارة وقد تم حصر حوالي 200 عائل حشري لهذا القطر، وأهم عوائله الرئيسية ذات الحساسية العالية للإصابة دودة الشمع الكبير، خنفساء البطاطا، بقة النجيليات، سوسة النخيل الحمراء، الذباب الأبيض، حافرة أوراق البندورة الكولومبية /توتااسولوتا/ صانعة أوراق الفول والمن والتربس والبق الدقيقي والبسيلا والخنافس ولاسيما خنافس الأوراق وذات المنقار ويرقات الفراشات ونطاطات الأوراق.
ويعتمد المعمل على تقنية التخمير السائل وهو الأول من نوعه على مستوى سورية وأحد أهم الاتجاهات الحديثة العالمية لمكافحة الآفات بيولوجياً.
دورها في حماية البيئة
وحول أهمية الزراعات النظيفة ودورها في حماية البيئة من التلوث حدثتنا الدكتورة غيداء حسن يونس رئيسة دائرة التنوع الحيوي والأراضي والمحميات في مديرية بيئة اللاذقية: الحاجة إلى زراعات نظيفة نتيجة تدهور تركيب التربة بسبب زيادة العناصر المتبقية فيها وبقايا المبيدات.
تدهور البيئة الطبيعية ويرجع ذلك إلى تآكل المساحات الخضراء وقلة أو انعدام التوازن البيئي أضرار صحية نتيجة التراجع في جودة الغذاء لوجود متبقيات للمبيدات المؤثرة على صحة الإنسان والتي تصل إليه عن طريق الغذاء غير العضوي.
لقد ساهم إنتاج المخصبات الحيوية كبديل للأسمدة الكيماوية في توفير العناصر الغذائية للنبات إلى جانب استخدام بعض السلالات الميكروبية أو الجرثومية في مقاومة بعض الآفات والأمراض وذلك بهدف إنتاج غذاء طبيعي نظيف خالي من الملوثات الكيماوية.
وعن هدف الزراعة النظيفة أوضحت د. يونس:
* تشجيع المزارعين على التحول من الزراعة التقليدية إلى الزراعة النظيفة.
* نشر فكر الزراعة النظيفة لتقليل استخدام المبيدات الكيماوية وذلك من خلال استخدام المبيدات الحيوية في الزراعة بديلاً عن الكيماوية لإنتاج غذاء صحي وآمن.
* تحسين البيئة والأمن الغذائي والحفاظ على البيئة وتوفر الطاقة وزيادة التنوع الحيوي.
* تقليل المخاطر الصحية على الإنسان.
* تقليل التلوث البيئي الناتج عن استخدام المبيدات الكيماوية.

حلول للحد من التلوث
أفادت د. يونس ضرورة التركيز على البدائل الحيوية بدلاً من المواد الكيميائية وسن قوانين تحرم استخدام أي مادة يثبت ضررها الحقيقي للإنسان، ومراقبة استخدام المبيدات ودراسة الأثر المتبقي له، والرعاية الصحية لكل من يعمل في هذا المجال
الخطط المستقبلية للحفاظ على البيئة
تنفيذ برامج الزراعة النظيفة والتوسع فيها والحد من استخدام المبيدات والاعتماد على طرائق المكافحة الحيوية للمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية بشكل أفضل بما يضمن سلامة الإنسان والبيئة.
دعم برامج للزراعة النظيفة لتكون صديقة للبيئة، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية (الأراضي، المياه، الغابات، الأصول الوراثية، المراعي الطبيعية.. إلخ) ووضع مخطط للاستعمالات البيئية للأراضي والتقيد بها بهدف الوصول إلى الاستخدام الأمثل والمستدام للأراضي.
ولفتت د. يونس إلى أن الرؤيا المستقبلية تتركز في إدخال البعد البيئي في الزراعة بشكل عام والزراعة النظيفة بشكل خاص بما يحقق تنمية مستدامة.
أخلاقيات الزراعة النظيفة
ما يندرج على المزارع اتباع أخلاقيات الزراعة النظيفة وتقيدهم بوسائل الزراعة النظيفة وحول ذلك حدثنا عصام صقر مهندس زراعي في مديرية الزراعة:
ثمة مغالاة في استخدام المبيدات الزراعية خاصة مع زيادة الآفات وانتشارها أحياناً إلى حد وبائي بالإضافة إلى نظام التكثيف الزراعي لإنتاج كميات أكبر من المحاصيل على نفس المساحة من الأرض، ومما لا شك فيه يلجأ المزارعون إلى استخدام الأقل قدرة على مقاومة الفيروسات لانخفاض أسعارها وهذا ينعكس على صحة المستهلكين والمنتجين على حد سواء، ومما لاشك فيه فإن اتباع المزارعين سقاية المنتوجات الزراعية بمياه الصرف الصحي يسهم في انتشار أمراض خطيرة منها الفشل الكلوي والسرطانات بأنواعها، ونوّه إلى أن بعض المحافظات في القطر تقوم بسقاية الخضراوات بمجارير الصرف الصحي. وأضاف م. صقر من ناحية أخرى هناك خطوة بعدم اتباع الزراعات النظيفة حيث أن كثرة المبيدات تؤدي إلى تركز مواد كيماوية سامة داخل عصارة النبات، فلابد على المزارعين اتباع محفزات لأصناف تتبع مقاومة ذاتية ضد المسببات المرضية وخاصة الفيروسات وهناك أسباباً كثيرة أدت إلى زراعات غير النظيفة الأمر الذي شكل وأدى إلى تردي المحاصيل الزراعية.
* بدوره تحدث كرم تجور مهندس زراعي في جامعة تشرين: برزت خلال السنوات الماضية الزراعات غير النظيفة وعلى أنماط متعددة وهنا تكمن مدى خطورة التوسع في أنماط الزراعة المعتمدة على المبيدات الكيماوية والأسمدة والسقي بالصرف الصحي التي لها أثار ضارة وخطيرة على صحة الإنسان على البيئة، واليوم لم يخف على أحد حجم المشاكل الصحية التي يعاني منها المواطن من جراء تناول المنتجات الزراعية غير النظيفة والأضرار التي تنتج من استخدام الأسمدة والمبيدات الحشرية الكيماوية والتي تنعكس سلباً بشكل مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان وكافة أشكال الحياة والبيئة.
ونوه إن تلك المواد الكيماوية المصنعة والدخيلة على البيئة والطبيعة لها آثار خطرة تبقى بالخضار والفواكه والغذاء الذي نتناوله بشكل يومي وهذا ما يسبب العديد من الأمراض وكافة المشاكل الصحية الخطرة، لذلك لابد من اتخاذ إجراءات صارمة تحد من الزراعات غير النظامية وبشكل خاص الخضار، فكثير من المزارعين يقومون بزراعة الخضار وسقايتها عن طريق مجارير الصرف الصحي.
فالمفهوم التنموي بشكل عام لا يهم الفلاح بقدر ما يهم تحصيل أموالاً إضافية على صحة الإنسان. لذلك لابد على جميع المزارعين اتباع أخلاقيات الزراعة، ويعتبر التسميد الحيوي عنصراً هاماً من عناصر تقليل الضرر الناتج عن استخدام الأسمدة الكيماوية فهو يسد جزءاً كبيراً من الاحتياجات السمادية ويوفر القدر الكبير الذي ينفق من إنتاجها.
وأضاف تجور: الكثير من المزروعات البقولية ترتبط باستخدام المخصبات الحيوية وهذا يقلل من التلوث ويتوازن مع مكونات الغذاء الصحي، وتعتبر الزراعات النظيفة طريقاً جيداً للعبور نحو صحة أفضل وبيئة خالية من الملوثات.
× يقول لؤي عيسى مزارع: اليوم وفي ظل الغلاء الفاحش فإن المزارع يبحث بكافة الطرق لإنتاج محصول جيد من دون مراعاة إذا كان يضر بالصحة أم لا مع التنويه إلى عدم تحذير الفلاح من مخاطر الزراعات غير النظيفة فغالباً ما يزرع الفلاح زراعاته بشكلها المعتاد من دون تحمل مسؤوليات إضافية كون الوحدات الإرشادية والجهات الزراعية لا يقع على عاتقها إعطاء المفاهيم الخاصة بذلك، فكيف لفلاح همه الوحيد تأمين لقمة العيش والأجور المرتفعة لمستلزمات الإنتاج وغير الإنتاج، وإذا استطاع المزارع الحصول على دعم كافي وتوجيه مستمر فإن الزراعة ستكون جيدة.
وأيضاً التقينا عدداً من المزارعين والفلاحين فمنهم من قال بأنهم لا يعرفون ما هي الزراعات النظيفة فهم يعملون في الأرض وراثياً ويتبعون الدورة الزراعية، ومنهم من قال: نحن بالأصل لا نستعمل الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية إلا الضرورية والهامة وذلك لغلاء أسعارها وارتفاعها يوماً بعد يوم ويرى بعض المزارعون أن من يمارس هذه الزراعات ضمن المحافظات الأخرى كحلب ودرعا وإدلب وحماة وذلك لوجود مساحات واسعة للزراعة وخاصة الخضار منها.
نهاية
لابد من وضع برامج وخطط وإرشادات حول هذه الزراعات الهامة وتقديم حلول للمزارعين من قبل الجهات المعنية والمشكلات التي يعانون منها لأن معظم الخضراوات الموجودة في أسواقنا العامة تعتبر من المنتوجات الزراعية غير النظيفة ولا يوجد حواجز وأسس وضوابط تمنع الكثير من المزارعين والمنتجين بإقامة زراعتهم غير النظيفة.

بثينة منى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار