العـــــدد 9350
الإثنـــــين 20 أيار 2019
تاريخ سورية غنيّ ولمواقعها ارتباطٌ وثيق بالتاريــــــخ والجغرافية وفي سورية تتنوّع التضاريس فهناك الرؤوس البحرية والخلجان والأنهار، وقمم جبالنا والمواقع الأثرية توحـــــــــي بالحكايــــات والأساطير والجبل الأقرع يختزن ملاحم وأحداثاً عديدة في تاريخنا القديم واسم هذا الجبل يدلّ على أن قمته لا تنمو الأشجار فيها وربما سمّوه بالأقرع لأن هناك جبلاً آخر يحمل الاسم نفسه ويقع قرب مكّة المكرمة كما جاء في بعض الكتب.
ينتصب هذا الجبل قرب شاطئ البحر على بعد قرابة خمسين كيلو متراً شمال مدينة اللاذقية بخطٍ مستقيم وتصل ذروته إلى ارتفاع 1760متراً، وإن المصادر القديمة توضح أن الطابع الديني سيطر على أجوائه وكان القدماء يعتقدون أن المواقع المرتفعة أماكن مقدسة.
ويظهر في المصادر المختلفة أن جبلنا هو مقرّ إله العاصفة ونجد في وثائق أوغاريت إشارات كثيرة إلى هذا الجبل وتعود هذه النصوص إلى القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد.
أما في القصائد الأوغاريتية المدوّنة بالكتابة المحليّة فإنهم يشيرون إليه باسم صفن أي الشمال، وإنه المكان الأسمى المقدس حيث يقيم بعل إله العاصفة وتصور القصائد معركة بعل الشديدة مع التنيّن وحش البحر.
اكتشفت في رأس الشمرة بين أنقاض معبد بعل شاهدةٌ مجرية تتحدث عن مجد بعل صفن، وهي مكتوبة بالهيروغليقية المصرية.
ويتساءل بعضهم هل انتصب معبد فوق قمة جبل الأقرع التي قُدّمت فوقها قرابين على مرّ العصور أم أنّ قصر بعل لم يكن له وجود إلاّ في خيال شعراء أوغاريت.
وفي عام 1933 اكتشف المنقبون في أحد التلال الرماد والحجارة المحمّرة بفعل النار التي كانت توقد لشيّ الأضاحي المقدّمة وارتبط في العهد البيزنطي تاريخ الجبل بشخصية القديس برلام وقد ولد في قرية تقع على أحد منحدرات الجبل وسكنَ في جوف صخرة وعاش هناك معتكفاً وقال في صلاته (أيها الربّ القادر امنحني القوة والتبّصر كي يسود اسمك فوقَ هذا الجبل، حطّم جبروت الملوك الطغاة).
ونذكر أن سكان اللاذقية يقولون: إن العاصفة تهب بمجرّد وجود الغيوم أو البروق حول قمة الجبل الأقرع وإن كانت السماء زرقاء وهذا الاعتقاد لا تؤيده الدراسات الجوية.
وهناك من يظن أن مدينة اللاذقية قد دمرتها نار الجبل عندما كان بركاناً فهل يكون لهذين الاعتقادين غير العلميين ارتباطٌ بالأساطير القديمة؟
إنها أصداء القرون الماضية وإنّها وقفة مع ذكريات ساحرة يمتزج فيها الواقع بالخيال والتاريخ بالأسطورة.
عزيز نصار