وقـــــال البحــــــر .. مساء ليلة شتوية

 العدد: 9278

الأحد 27-1-2019

 

كانت مدفأة الكهرباء تتوهج في غرفة الجلوس، خطر لي إشعال مدفأة الغاز، فالكهرباء لا تطمئن في هذه الأيام الشتوية، فمع كل هبة ريح أو موجة مطر تنقطع وتظلم الدنيا وهذا ما سبب مشاكل كثيرة في أجهزة الكهرباء لدى كثيرين، بعضها احترقت أسلاكها، وبعضها يحتاج إلى إصلاح كامل، وما باليد نقود عند الناس، تذكرت أن أسطوانة الغاز انتهت منذ يومين وأنني استعملت نفوذي الأدبي والمادي ولم أستطع تأمين بديلة، خطر لي أن أشعل مدفأة المازوت، المسؤول عن التوزيع عندنا قال إن الصهريج الذي يوزع على المواطنين غير موجود منذ أسبوعين، جارنا صاحب محطة الوقود اعتذر عن التوزيع (بالمفرّق) الرجل ظاهرياً لا يخالف التعليمات.

راحت طاولة الطعام في وسط غرفة الجلوس حيث قررت زوجتي أن نمضي السهرة، تزدحم بأطايب الطعام والعصائر، كانت تعرف أن أصدقاءنا سيأتون في وقت مبكّر، قلت (انتظري إلى أن يأتوا)، قالت: (لا، لن أرتاح قبل أن أنهي كل شيء).
لم نضع على المائدة عصائر صناعية ومشروبات غازية كما يفعل آخرون في مثل هذه المناسبات، أطنان من العلب الفارغة في صباح اليوم التالي من العام الجديد، رأيتها ملقاة في الشوارع وعلى الشاطئ البحري ورأيت البرتقال في الحقول القريبة (مشلوحة) على الطرقات، وبعضها تحت الأشجار، ولا أحد قام بقطافه، فالأسعار أقل من التكلفة، ولا أحد في الوطن (قطاع خاص أو عام أو مشترك أو في منظمة الفلاحين العتيدة يقوم بتصديره أو تصنعيه.
صرخات مزارعي البرتقال منذ سنوات لم تتوقف: (أوقفوا هذه العصائر الصناعية واعتمدوا على الإنتاج المحلي، واعملوا على تصدير الفائض) لا أحد يسمع ولا يريد أن يسمع، هذه هي الحقيقة..
عادة، تجتمع الحكومة، ويمارس أعضاء مجلس الشعب براعتهم الخطابية بشأن البرتقال، ولكن لاجدوى، هو نوع من رفع العتب، تتكرر المشكلة في كل عام، وتتكرر شكاوى المزارعين، وخطب الحكومة.
جاء الضيوف . . وجلسنا حول الطاولة، قال أحد الضيوف: (أهنئكم على وجود كهرباء عندكم، والتفت إلى زوجته): أرأيت الدعم؟ وتبادلنا الضحك، وفجأة انقطعت الكهرباء، تذكرت أنني أمتلك سراجاً منذ أيام قريتنا قريطو، وكنت أضعه في مكتبتي كتحفة من الماضي، وزيت الكاز لازال فيه، أمسكت به وأشعلته ووضعته على الطاولة ونظرت إلى ضيفي، وقلت: هل تعرف ما اسم هذا المصباح؟
اعترف إنه يراه لأول مرة، قلت: حضارة الكهرباء قتلت ذاكرتكم، الكهرباء اليوم تعيد بناء الذاكرة.

 سليم عبود 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار