دراما رمضان… مربى العز  

الوحدة : 28-4-2023

مسلسل مربى العز من تأليف : علي معين صالح وإخراج: رشا هشام شربتجي، والتي لا نبالغ إن وصفناها بإحدى أيقونات الإخراج الدرامي العربي. هذا الثنائي هو نفسه الثنائي الذي تمخضت جهوده في رمضان السابق عن مسلسل “كسر عظم”، والذي اعتبره النقاد والمشاهدون نقطة علام في عودة تعافي الدراما السورية. الأمر الذي يجعلنا نقف ملياً أمام مسلسل أراد فريقه الدرامي إيصال رسالة إلى المتابعين، مفادها: أن الخير لابد منتصر، وأن الصبر مفتاح الفرج، وأن السحر والشعوذة عمل دنيء يستغل به النصابون أصحاب القلوب البسيطة والمهج الضعيفة، وأن التمسك بالأصالة والأخلاق القويمة واجب لابد منه إذا أردنا الوصول إلى مجتمع سليم.

هذا كله حسن وجيد ولا غبار عليه، لكن كيف تم إيصال الرسالة؟ إن كيفية إيصال الرسالة هي جوهر العمل الدرامي بل هي أساس الدراما وأسها، وفي مسلسل مربى العز حاول أبطاله توصيل الرسالة من خلال قصة لا ترتقي مرقى الفانتازيا، ولا تتصل بأرض الواقع إلا بأسماء الشخصيات وألقابها ومهنها، ما يجعلها بجدارة تصلح حكاية لجدةٍ لا تعرف كيف تهدهد أحفادها، أو لحكواتي يريد أن يستحضر عنترة بحلته الجديدة! لن أخوض في عيوب تفاصيل القصة وحبكتها، ولا في الفجوات اللامنطقية لتتابع الأحداث. سأسلم بأنها حكاية رمضانية يرويها الحكواتي في أحد المقاهي الشامية العتيقة، وسأغرق كما غرق المشاهدون في طوباوية زمن يعود إلى أوائل القرن التاسع عشر، وهو زمن نعلم جميعاً أنه والطوباوية خطان متوازيان لا يلتقيان إلا في مواقع التصوير.

مختصر الحكاية ثلاث حارات يترأسها ثلاثة زعماء كل زعيم ينافس رفيقيه بالطيبة والكياسة حتى ليظن المشاهد أن في ظهر كل زعيم فيهم بقايا منبت أجنحة الملاك. واحد منهم توفي، والآخران يضاهيان في طيبتهما وبساطتهما الشخصيات الكرتونية الزرقاء المحببة للأطفال. يقوم جمّول الشرير بخطف أولاد الزعماء الثلاثة كل على حدة بهدف قتلهم، وذلك بإيعاز من امرأة شريرة حاقدة تقود أخويها الشريرين وتخطط بشكل “استراتيجي” على مدى عشرين عاماً من أجل الاستيلاء على زعامة الحارات الثلاث. جمّول الشرير لم يقتل الأولاد الثلاثة بل احتفظ بهم في خرابته، واستغلهم بإرسالهم في نفس الحارات، يشحذون ويجمعون له المال. الأولاد استطاعوا الهرب من جمّول الشرير، وعاشوا في منطقة نائية شبوا فيها عن الطوق وأصبحوا رجالاً بفضل رعاية كبيرهم مناع (بطل المسلسل) وظلوا محتفظين داخلهم بمنبت العز الذي ولدوا فيه ليلتقي كلٌ منهم بعد عشرين عاماً بأهله وليضحوا القوة الضاربة التي عصفت بعصابة الشر إلى الهلاك إلا واحداً منهم استولى على أموال أخته الشريرة، وهرب في نهاية المسلسل متوعداً الحارات بالويل والثبور “الاستراتيجي” تاركاً الباب موارباً على جزء لاحق. توتة توتة انتهت الحدوتة حلوة أم…فتفوتة؟

السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بعد هذه الحكاية: في مسلسل كسر عظم الذي تحدث عن واقع أليم نعيشه تفنن أصحاب الرواية في تجسيد الواقع وكشف فساده وملابساته، مع محاولة الحفاظ على شمعة الأمل متقدة. ونفس أصحاب الرواية حين أرادوا أن يوقدوا الشمعة من خلال قصة يُفترض حدوثها في الماضي (أواخر الاحتلال العثماني) جعلوا الواقع وهمياً طوباوياً إذ حتى رئيس الكركون في المسلسل كان رجلاً بقلب أصفى من دمعة الديك.

يتجرأ فريق مسلسل “كسر عظم” في توصيف سواد الواقع الحالي، ويتماهى في تشريح أجزاء الأجزاء في المجتمع من مختلف الزوايا. بينما يتعاجز في مسلسل “مربى العز” حتى عن مجرد الإشارة إلى زمن آخره سفربرلك وكأن لسان حالهم يقول إذا كانت حدوتة الواقع أليمة فليس لنا إلا “فتفوتة” الماضي نعجنها ونخبزها ونقدمها لكم خرافة ساخنة لا تسمن ولا تغني لكنها تساعد على النوم.

 

شروق ديب ضاهر

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار