منازل الدنيـــا الأربعـــة.. والثقافـــة ســـلطة

العدد: 9343

9-5-2019

 

أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية نشاطاً ثقافياً بمشاركة مع فرع الرقة حيث قدم الأستاذ منير الحافظ محاضرة حملت عنوان (منازل الدنيا الأربعة) وقدم الأستاذ حسن أحمد محاضرة بعنوان (الثقافة سلطة) وذلك في صالة الجولان بمقر الفرع ونظراً لأهمية النشاط نسلط الضوء على أهم ما جاء من محاور وأفكار وطروحات على بساط البحث..

 

منازل الدنيا الأربعة
أكد المحاضر منير الحافظ في بداية محاضرته على أن الرقة عانت من فجائعيات جمة عبر تاريخها فقد تعرضت لعديد من الزلازل، ثم دمر التتار بقيادة (هولاكو) حاضرة الرقة وقال وقت ذاك: (نحن غزاة لا نطمح إلى ملك أو سلطان أو غنائم، وإنما هدفنا خراب الحضارات وإبادة العلم). لقد ضمن الباحثون الرقة حاضرة رعوية بسبب وقوعها على امتداد رقعة جغرافية ممتدة في عمق البادية، في حين تقع الرقة على ضفتي نهر الفرات وتحيطها البساتين وقد حباها الرب بأرض خصيبة مفتوحة على سهل الشمال الفسيح، فزرع إنسانها الأرض، وامتازت بكثرة الغلال، ونشطت التجارة فيها، وتنوعت الحرف، وتميزت بصناعة الزجاج والفخار والخزف والورق وبناء الجسور وحفر الأقنية ما جعلها من المدن المستقرة، ومكنها من صناعة تقاليد جمالية (روحية وثقافية)، ولم تكن يوماً حاضرة معزولة عن حضارات كانت قد أحاطتها من كل الجهات، فقد تعاملت بحكم امتدادها الجغرافي مع بلاد ما بين النهرين (الأكاديون والسومريون والآشوريون والبابليون)، ومن الغرب (الكنعانيون والآراميون والفينيقيون والرومانيون والفرس والبيزنطيون) فمضى العقل الميثيولوجي الرقاوي ينتج أفخم أباديع الآداب والملاحم الأسطورية الروحية الخالدة.
لقد تأسست حاضرة الرقة في العصر البرونزي وحين نهضت دمرها (آمورابي) أي (المعتلي) عام1750 ق.م ثم حاضرة مزدهرة في 244 ق. م سميت (كالينيكوس) نسبة إلى الفيلسوف اليوناني الشهير الذي توفي في الرقة في العصر البيزنطي، ثم فتحتها الجيوش الإسلامية عام 639 م بقيادة (عياض بن غنم الفهري) في /17هــ/ وقد ازدهرت في عهد المنصور العباسي الذي بنى مدينة (الرافقة) والتي صارت وقتذاك منارة ثقافية وعلمية، ويمكن القول: أصبحت (الرافقة) مركزاً علمياً فلكياً أداره العالم الفلكي الرقاوي الشهير (البتاني 858 – 929م) وأقام الخليفة (هارون الرشيد) بمحاذاتها مدينة الرقة التي كثرت فيها الأنهر والجداول والحدائق والقصور، وزهت في جمال عمرانها وقلاعها وسورها وبواباتها على الطرازين الروماني والإسلامي، وتألقت ثقافياً وروحياً وعمرانياً وتجارياً بوصفها حاضرة تلاقحت مع حضارات أجنبية متاخمة لحدودها الجغرافية، والحق مازالت آثارها باقية تشهد على ذلك، كانت الرقة تحفة الخلافة الإسلامية ومركزها المؤتلق وموطئ القاصدين لربوع الجمال الطبيعي والطامحين إلى الثراء وقال عنها المؤرخون: منازل الدنيا أربعة (دمشق والرقة والري وسمرقند) وقد تزاوجت مثنوية الفرح والحزن في حياة ساكني الرقة عبر تاريخهم الطويل، وخير أباديع الرقة هي منظومات الآداب والفكر العرفاني الصوفي والموسيقا والفلك والعمارة، كما نقل الرشيد دكاكين الوراقين من بغداد والبصرة إلى الرقة، وقام المأمون بتأسيس أعظم مكتبة ثقافية في عصره دعيت بـ (بيت الحكمة) وعلى ما وقع في ظن الباحثين فإن ألف ليلة كانت قد كتبت ورويت في الرقة، وحكاية السندباد البحري.
الثقافة سلطة
لم لا؟ أين الخطأ في ذلك؟ ومن أجدر من الثقافة في بسط سلطتها؟ لكن هل نحن مستعدون للاعتراف بسلطتها، أم نود حرمانها من الدور الذي تمارسه في حالة الاعتراف وعدمه؟ والسؤال: من المستفيد من إنكار هذه السلطة والحط من دورها؟ فاستبعاد الثقافة يعني تجريم المجتمع الذي أنتجها وينتجها، من يستبعد دورها كأنه يعود – إلى تعلم ألفبائية الحياة، فمن الممل والمكروه أن نعود للقول أن الثقافة تعني التقويم والتوجيه كأبسط ما تعنيه، وأعقد ما تعنيه في آن واحد وليس هناك أجّل وأعظم من هذا الدور، ومالم نحترمه فإننا نستهين بأنفسنا، فالثقافة في أبسط وربما أعقد تعريفاتها هي (الخروج من مملكة البيولوجية) بهذه التساؤلات استهل المحاضر حسن أحمد محاضرته معرفاً الثقافة (حسب قول ويل كيمليكا) بأنها: الكيان المركب الذي ينتقل اجتماعياً من جيل إلى جيل، ويتكون من المعرفة واللغة والمعتقدات الدينية والفنون والأخلاق والعادات والعرف والتقاليد والقانون . . إلخ، والثقافة إما أن تكون نقدية أو لا تكون ثقافة (بتأكيد عبد الله العروي)، وأوضح أحمد على أن الثقافة قيمة بذاتها ولذاتها كما أبرزها تطور المجتمعات، وهي مؤشر وعي المجتمع (الإنسان) لوجوده عبر التاريخ، وقد برهنت على أنها بنية ديناميكية وغير ثابتة تتأثر وتؤثر بغيرها من ثقافات المجتمعات ولا غرابة أن يكون لها سطوتها، ودور الثقافة هو ذاك الذي يربو على كل الأدوار، وحين يبدو دور الثقافة قد ضعف أو تراجع فعلينا استشعار الخطر والتشويه الذي يصيب الحياة ما يجعل الجميع في موقع المسؤولية عن افتقاد الدور الذي يعني الانكفاء إلى مملكة الطبيعة الحيوانية البيولوجية، والذي يعطي الثقافة سلطتها عاملان: الامتداد الزمني وشمول الجماعة، أما الخطر على الثقافة فقد يبرز في محاولة الوصاية عليها من خارجها، وتوجيه دورها بحيث لا يترك لها حرية التجدد والتعبير، وشدد المحاضر على أن سلطة الثقافة هي أقوى السلطات وأبقاها، أي السلطة على الوعي وتكوينه وتوجيهه، وهي سلطة التربية وتكوين الأحاسيس والمشاعر والمفاهيم والأفكار ونشر المعارف، أي الأدوار الموكولة إليها في التهذيب وتربية الجمال والإحساس بالمسؤولية، تحاصر القبح وتستبعده، ولكل مجتمع ثقافته التي يرثها ويداوم إنتاجها فتبرز في طرائق عيشه ونشاطاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية تكون سلطة على الأذواق والإرادة، والثقافة منتج اجتماعي بمعنى أنها عرضة للخلل والتغيير والخطأ والانتقاص، والنقد ينعش الثقافة، وأشار إلى أهمية التعاون والتداخل بين وعي الدين وعياً سليماً لإدراك دوره، وبين الثقافة ودورها، ونبّه إلى تجنب الابتذال تحت طائلة المسؤولية الاجتماعية، فلطالما كان الابتذال يداخل بعض قنوات الثقافة الشعبية، ما يستدعي استنفار الثقافة لمواجهته.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار