الهــــــوية الثقافية السـّــــــورية تثبــــــت انتصـــــــارها

العـــــدد 9340

الثلاثـــــاء 30 نيســــان 2019

 

الأديب د. زهير سعود: سورية بلاد الشمس وبلد الحضارات القديمة، وهي ذات موقع جغرافي وحالة مناخية خاصة، ألزمها الأمر بتعدد وتنوع محددات الهوية الثقافية عبر تعدد الهجرات والغزوات، ثم تنوع الملهمات الإيديولوجية واحتضانها لمكونات عرقية متنوعة، فمثلت حالة الاستقرار فيها نموذجاً طبيعياً لتعدد عناصر الهوية الثقافية وقدرتها على الاندماج في هوية ثقافية جامعة، أسهمت فيها الدولة بالحفاظ على الشخصية القومية، لتمثل نموذجاً خاصاً جديراً بالاستهداف من النزعة الاستعمارية التي تعمل على مبدأ (فرّق تسد) وكان من استهدافات تلك القوة الغاشمة إعادة مكونات الهوية الجامعة إلى مصادرها الرجعية، مشوبة بالكره والأحقاد والصراعات الدموية المدمرة لحالة الاستقرار، والتي هتكت حالة العقد الاجتماعي ونتاجه في مستوى الهوية الثقافية الجامعة، نستطيع القول ولسنا بوارد تناول الأمر بالتحليل البحثي العميق: إن المجتمع السوري خرج للتو من أتون معركة مصيرية في إثبات الوجود، حيث مازالت تعبث فيه تلك العناصر الإيديولوجية ذات السعي المحموم لدفع عجلة التاريخ المقهقرة، مع الآثار الهادمة للحظة التاريخية التي بلغها المجتمع على صعيد الهوية الثقافية، وهذا حتّم صعوبة استرداد الملمح السوري الأصيل، وأهمية الطاقة الفكرية لعناصر البناء والترميم، وعودة الأصالة، سواء أكان الأمر متعلقاً بالدور الذي تلعبه الدولة ومراكزها التنويرية الإعلامية بما تبيحه من أنشطة تخصصت بها المراكز الثقافية ودور الإعلام، أم بالدور المهم في تمكين القوى الفاعلة على صعيد إعادة الإعمار ومحاربة القوى الغاشمة، وفلول قواها المهزومة التي لم تعلن استسلامها بعد…

نستطيع القول وبكل ثقة: إن الهوية الثقافية السورية أثبتت انتصارها النسبي، بعد المحاولات الفاشلة والخطيرة للتشويه، بيد أن هذا الانتصار مطالب بالرسوخ والثبات والاستفادة من دراسة أسباب ونتائج الحرب التي لم ينقشع غبارها بعد، الهوية الثقافية يمكن اعتبارها صورة الواقع بما هو عليه، وهو رغم انتصاره بالحفاظ على الكينونة وإبعاد شبح التمزيق في كانتونات رجعية مثلت إرادة القوى الكولونيالية إلا أنه من الإفراط في التفاؤل أن نراه سليماً معافى، وأن قوى الفعل الرجعي قد انحسرت تماماً، ما يعني انتقال مرحلة الصمود والمواجهة إلى مرحلة نضالية لا يقل شأنها عن سابقتها، وهي تناسب مرحلة السلم بعد حرب ضروس، وتهديد خطير للمعلم الحضاري المحدد للهوية الثقافية الوطنية.
إن الانتقال إلى مرحلة السلم الوشيك من المفترض فيه أن يراعي مقولة عدم الاسترخاء وقراءة الأحداث ضمن سياقها الطبيعي لاكتشاف أنها عاصفة لم تنتج عن فراغ، وأننا مطالبون بدراسة الحيثيات التي مهدت السبيل لاندلاع العاصفة بعد فتور. تكاد تكون مرحلة السلم أشد خطورة ووعورة من سابقتها في الحفاظ على الهوية الثقافية، واكتسابها الملامح الجديدة، والتي رسمتها القراءة المنطقية التحليلية للأحداث. ما يجعل حركة الواقع مطالبة بعناصر الدراسة الملائمة لصوغ الهوية الثقافية الجديدة، والتي أدمجت الأصالة باستقراء عوامل الهدم وتلافيها، وهذا يفرض شروطاً خاصة على عناصر البناء التي تنوعت في قوى بشرية خبيرة، وحريصة بثقافتها ووعيها الوطني والقومي، ثم تأمين الأماكن ووسائل الاتصال لتمكين نشاطها الخاص، وأخيراً مادة النشاط ووجهتها وتنوعها الفكري والفني.
* الأديبة مجد حبيب: تعد سورية أكثر مَن أغنى التاريخ بإرث حضاري كبير، حيث كانت مدنها مراكز للحضارة، وضمت أكبر المكتبات، كما تُعَد دمشق مركزاً للعلم والثقافة، ومنطلقاً للأدب والشعر، وقد تعرضت سورية إلى هجمة شرسة شُنَّتْ على حضارتها وثقافتها بغية تحطيم الهوية الثقافية السورية بشكل رئيسي، وتدمير التراث الثقافي بفرض فكر تكفيري تجهيلي مهشّماً صورة الإنسان وشخصيته،
حيث استهدفت الجماعات المتطرفة المواقع الأثرية وحطمت الأشكال الفنية، فنهبت الكثير من آثارها التي تُعَد تراثاً حضارياً هاماً، وقامت باغتيال عدد من العلماء النوابغ والعقول الثقافية المهمة، إنّ حرمان شعب من تراثه هو بمثابة اجتثاث لجذوره من أعماق الأرض، وهنا يبرز الدور المهم للمراكز الثقافية في هذه الفترة، فالثقافة مصدر لكل تقدُّم وتطوّر ولها دور فعّال في التنمية وبناء الإنسان معنوياً مما يدفعه إلى السير والعمل الجاد من أجل الإعمار، وقد امتلك فكراً مستنيراً يتبنى بعض المواقف والأفكار التي تخدم مجتمعه وتساعد على تطوره، حيث يتوجب على المؤسسات والمراكز الثقافية تكثيف جهودها للقيام بالتنمية الشاملة، وإطلاق برامج ونشاطات واسعة النطاق، تهتم بالشباب السوري، وتنشر الوعي المعرفي الذي يُثري أوجه الثقافة كافة.
إنّ المثقف الحقيقي مهيأ لبناء مجتمع متطور متنور متحرر من قيود التعصُّب الطائفي والعرقي، ومن العنف والعدوانية، ويجب استقطاب مثل هؤلاء المثقفين لإعادة إعمار سورية، وترميم ما تصدّع وانهار من قيم أخلاقية، ولا أقصد بالمثقفين دعاة الثقافة، أو المتسلقين على الجسد الثقافي، إنما أقصد كل مثقف يحمل على عاتقه مسؤولية بناء مجتمعه، ونشر الوعي الفكري القادر على إنقاذ هويتنا الثقافية، ذلك المثقف الذي تكون ذاته ملكاً لمجتمعه ولوطنه وبخاصة إذا كان وطنه يتعرض لهجوم ظالم من أعداء زرعوا بذور الشر والتعصب الأعمى من أجل تحقيق مآربهم ومطامعهم، فالثقافة بشكل عام والمثقف بشكل خاص يشكلان وحدة قادرة على المشاركة الفعلية والجادّة في بناء المجتمع ثقافياً، وإعادة إعماره، وتقويم هيكليته التي تصدعت بفعل الحرب.
* الأديبة صديقة علي: تعاني الهوية الثقافية في ظل العولمة من انزياح ببعض ملامحها بشكل عام، أما المشهد الثقافي السوري فلمعاناته خصوصية، ولاسيما وهو في حالة حرب علنية مع قوى ظلامية، استهدفت نوره، وتاريخه، وانتماءه، وفكره، ومفكريه، لذلك كان النبض الثقافي السوري خلال سنوات الحرب شكلاً من أشكال الصمود، رغم ما شابه من تخبطات حتمت علينا تصويب مساره بما يليق وعراقة الثقافة السورية، ولكي نحافظ على تميزنا الثقافي علينا أن نرسخ مفهوم الانتماء الحقيقي للثقافة السورية، وذلك بخطوات عملية أبرزها:
ـ توسيع الدائرة المعرفية بالحضارة السورية، وربط حلقات وورش العمل المدرسية والجامعية والأنشطة الثقافية بالمراكز الثقافية والمراكز العلمية البحثية في الآثار والمتاحف.
ـ تسليط الضوء على ظاهرة اللقاءات الأدبية وتقييمها بحسب مستوياتها، فانتشار الأدب الهابط يساهم بتخريب الذائقة الأدبية، كما فعلت الأغنية الهابطة بتخريب الذائقة الموسيقية لدى أجيال عدة.
ـ المشاركة مع القطاع الخاص بما يضمن له الربح، ويخفف من أثر أهدافه التجارية على جوهر المنتج الأدبي.
ـ كشف الغطاء عن الذين يدّعون الثقافة، وبخاصة أصحاب شهادات الدكتوراه (الخلبية) الممنوحة من جهات غير واضحة، وقد تكون جهات افتراضية.
ـ دعم المفكرين المتنورين والمحدثين، وإخماد نفس الشللية والمحسوبيات، فالثقافة كي تكون عامة وشعبية وراسخة لا تقبل الغش.
ـ وجود هيئة استشارية تحكيمية تضم عقولاً خبيرة، ونفوساً معطاءة، يمكن للموهوبين اللجوء إليها والاستنارة بتجربتها، مع أهمية الاهتمام بتمكين اللغة العربية كحامل أساسي للثقافة السورية، وترسيخها.

د. رفيف هلال

تصفح المزيد..
آخر الأخبار