العـــــدد 9340
الثلاثـــــاء 30 نيســــان 2019
إذا ما سلمنا أن الثقافة هي خلاصة لفكر متداول لأي شعب، فكم يترتب علينا من اجراءات وصياغات وأعمال فكرية بدءاً من القصة التي نرويها للأطفال ووصولاً لأكبر وأهم (المؤلفات والكتب والأعمال الفنية والأدبية والموسيقية) وأي عمل من الممكن أن يحاكي حياتنا وينشر ويترجم للغات عديدة؟
الثقافة لغة تعبر عن الشعوب، وبلدنا من أغنى شعوب العالم بالثقافة الحضارية والمعمارية والأدبية وكافة العلوم، وبعد الحرب الشرسة على بلدنا الحبيب التي استهدفت البشر والحجر لا بد من نهضة إعمارية تشمل ألف باء الإعمار الثقافي وللحديث عن ماهية الثقافة وهمومها و كيفية إعادة إعمارها التقينا الأديب الشاعر حسن داؤد مؤسس ومدير ملتقى منارات الأدبي فقال:
الثقافة هي المقياس الحقيقي لمعرفة مدى بناء المجتمع فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، فضلاً عن أنها مرآة رقي الشعوب وازدهارها وتقدمها، فلا حضارة بدون ثقافة، ولا علاقات اجتماعية وإنسانية وحضارية بدون ثقافة، وليس بالضرورة أن ندعي أن جانباً معيناً من الثقافة يبني حضارة، إذ من الضرورة بمكان أن تصهر مجمل أنواع الثقافة من فنية وأدبية وعلمية لنكوّن من هذا المزيج ثقافة شعب أو عراقة شعب، وهذا ما نلحظه في الكثير من أوابدنا التاريخية العربية كالأهرامات والبتراء وتدمر وأوغاريت وغيرها، التي نقلت لنا عبر التاريخ ثقافتها منذ آلاف السنين، وهنا سؤال يطرح نفسه: هل جاءت هذه الثقافة من فراغ أو إلهام أو إبداع أو فكر؟ وأنا أرى أنها جاءت من كل هذه مروراً بحلقة اسمها الفكر، فلا ثقافة بدون مفكرين مبدعين وضعوا نصب أعينهم رسوماً وعلامات ودلالات للخلق والإبداع ومن هنا بزغ شعاع الثقافة الناتح من ورود الفكر وهذا الفكر بحد ذاته ينمو ويتألق من خلال المزيد من الاطلاع على الثقافات الأخرى وتلاقح بذورها لتنمو شجيرات الوعي والتقدم والسؤدد والمجد.
أما وأن الثقافة هي مرآة الشعوب وهي العنوان الأساس لربط حاضرها بماضيها بمستقبلها، فإننا نرى أن من أولويات الحاقدين على شعب والراغبين في محاولة إذلاله أو حرقه فإنهم يبدؤون بطمس أو إزالة الأساس الذي بني عليه هذا الشعب ألا وهو تاريخه من تراث وثقافات ومكتبات وأوابد تاريخية وتفكيك المجتمع باختلاق النزاعات العرقية والطائفية والمذهبية، وهنا يأتي دور الثقافة والمثقف ليكون السد المنيع في وجه هذه الهجمة.
ولنأخذ مثالاً حياً عشناه ونعيشه اليوم، عندما بدأت الهجمة الكونية على سورية حاولت أول ما حاولت زعزعة الشعب من خلال تقسيمه طائفياً وعرقياً وتفكيكه إلى دويلات أسسوا لها على أساس طائفي كجبل العرب، والجزيرة الشرقية وحمص والساحل السوري والشمال، وهنا كان لابد من انتفاضة ثقافية فكرية وطنية إلا أن بعض القائمين على الثقافة غفلوا أو تغافلوا عن هذا الجانب وهنا لابد من الإشارة إلى أننا لم نر أي حراك ثقافي عملي في هذا الجانب منذ بداية الأزمة وحتى الآن سوى الندر القليل جداً منها مجموعة منارات التي جندت نفسها لتكون فعلاً جيشاً ثقافياً رديفا للجيش العربي السوري، كل يدافع بسلاحه جنوده من كل أنحاء سورية ويتنقلون في أغلب المراكز الثقافية في سورية وعلى نفقتهم الشخصية لتحقيق أكبر مجتمع ثقافي تحت شعار (تحت سقف الوطن وبمحبته نلتقي، ووسيلتنا الشعر والأدب) وهذا حيز صغير من الواجب الكبير المترتب على القائمين على الثقافة في بلدنا، فقد لاحظنا تقصيراً كبيراً من مراكزنا الثقافية في هذا الجانب وأرى كما يرى الكثيرون من المهتمين بالشأن الثقافي في بلدنا أن ما قامت به هذه المجموعة على أرض الواقع وعلى نفقتها الشخصية ودونما أية رعاية حكومية يضاهي ما قامت به عشرات المراكز الثقافية، نخلص للقول إن الثقافة لا تحتاج إلى قلم وورقة فحسب بل إلى فكر وتصميم لتحقيق الهدف السامي الذي تسعى للارتقاء إليه.
وهنا لابد من الإشارة إلى العوامل الأساسية التي من خلالها نحافظ على البنية الثقافية الجاذبة وليس النابذة، فالثقافة تعرف بالمثقف وهنا لابد من العمل على بناء المثقف لنبني الثقافة، سيما وأننا نعيش عالم الفراغ الثقافي الحقيقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وأهمها الفيسبوك حيث غدا عدد الشعراء على الفيس أكبر من عدد طلاب المدارس بكل مراحل الدراسة، فكل من وضع اسمه في مجموعة صار شاعراً وله معجباته أو لها معجبوها، وهنا لابد من فرز حقيقي للشعراء من مدعي الشعر، ومن هنا نغمز الى المراكز الثقافية ودورها الحقيقي في الفرز بين الشعراء والمثقفين وبين من يتباهون بشهادات الدكتوراه والسفراء والقناصلة ووو التي تمنح لهم فيسبوكياً ومن جهات ليست مجهولة فحسب بل جاهلة.
أما ما هو مؤلم ويحز في النفس فهو حرب الثقافة بسلاح القائمين عليها للمثقفين الذين يريدون النهوض بها، والقرارات المحبطة التي نسمعها من مراكزنا الثقافية والتي قبل آخرها أنه يترتب علب من يرغبون بإقامة فعالية ثقافية دفع بدل استثمار الصالة وكأنهم يريدون أن يقيموا حفل عرس، وآخرها وهو الصاعقة فبدلاً من صرف مكافأة نقدية للشعراء، صار يترتب من القائم بالمهرجان الشعري دفع عشرة آلاف ليرة لانعرف تحت أي مسمى قبل دخول الصالة والسؤال المشروع: هل هكذا تورد الإبل يا أرباب ثقافتنا؟
لماذا لا نحاول غربلة مثقفينا من مدعي الثقافة وشعرائنا من مدعي الشعر وأدبائنا من مدعي الأدب، لنصل إلى جمع باقة عطرة من المثقفين والأدباء والشعراء نعتز أنهم مرآة عصرنا وشعبنا، وهذا السبيل الأمثل للحفاظ على ثقافتنا من الانحدار؟
لماذا لا ندعم هؤلاء المثقفين والأدباء بمنحهم نفقات السفر على الأقل أثناء تنقلاتهم بين المحافظات؟
* الثقافة ليست حكراً لأحد، إنما من حق ذويها قبل المتطفلين عليها.
* لا أرى عيبا في المنافسة إنما شريطة أن تكون شريفة بناءة تفضي إلى خدمة الثقافة لا الألقاب المزيفة.
* وضع رقابة حقيقية وفعالة على المجموعات التي تدعي أنها تعمل في الحقل الثقافي وإظهار الغث من الثمين.
* دعم المثقفين لنشر رسالتهم السمحاء في ربوع سورية التي تستأهل كل جمي .
* العناية بالمواهب الشابة لخلق مستقبل مثقف واعد.
* تفعيل دور المنتديات الثقافية الحقيقية، والمجموعات المنضوية فعلاً تحت سقف الوطن لخلق أسرة سورية ثقافية شعرية كما فعلت منارات في أحلك ظروف سورية التي شكلت أسرة سورية من كل فسيفسائه وتنقلت في كل أرجاء سورية لتشكيل الجيش الفكري الثقافي الواعي والمتحدي للقرار الكوني بتمزيق وحدة الشعب السوري.
وأخيراً أذّكر من يريد أن تبقى سورية منارة للتاريخ والفكر والثقافة، أن سورية عصية على أعدائها إذا التف حولها المثقفون الحقيقيون وبغير عقول المثقفين لا يبنى تاريخ ولا عراقة ولا إنسان.
رواد حسن