ضياع القيم يؤدي إلى ضياع الكرامة الوطنية

العـــــدد 9340

الثلاثـــــاء 30 نيســــان 2019

بعد حرب تخطت سنوات ثمانية وتوليدها لأزمات نفسية كثيرة، نحن بحاجة فعلاً إلى إعادة إعمار ثقافي وفكري ونفسي وإنساني.

حول إعادة الإعمار الثقافي ومواضيع كثيرة تتعلق بالثقافة ودورها في بناء الفكر، كان لنا لقاء مع ثلة من الأدباء منهم الأديبة أنيسة عبود والشاعرة تغريد الخليل.

* البداية مع الكاتبة أنيسة عبود: للثقافة دور هام جداً في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها سورية حيث إن الحرب الظالمة خلخلت الكثير من الثوابت والقيم الأساسية للمجتمع، لذلك لا بد من اللجوء إلى الأسس البناءة للثقافة التي تعمل على استنهاض الوعي الاجتماعي والتاريخي والأخلاقي بعد ثماني سنوات من القتل والتدمير للصروح الثقافية والتعليمية والدينية مثل المساجد الأثرية والجامعات والأوابد التاريخية والحضارية، إن الشعوب التي تتعرض للحروب تلجأ إلى المثقفين كما تلجأ الى الجنود المحاربين ليدافعوا عن حدودها وترابها وسيادتها وتراثها، إن للثقافة وللكلمة دور الرصاصة على المعتدي الذي يسعى لتشويه الهوية والقيم ومبادئ الانتماء، وكلنا يدرك ما يفعله الصهاينة في منطقتنا العربية حيث تتم المحاولة إثر المحاولة للتطبيع الثقافي مع الشعب العربي حيث تدخل من الباب العريض إلى الاقتصاد والتجارة والسياسة وبالتالي تتجمل الصورة، لكنّ المثقف المنتمي يعرف خطورة ذلك، ويعرف أن عليه واجب الكتابة والتوثيق ليكون شاهداً على مرتزقة يشوهون تاريخنا وهويتنا وتراثنا، وبالتالي من واجب المثقف التوعية من خلال كتابة تتوجه إلى المستقبل وإلى أبناء المستقبل ليدركوا أهمية الهوية والانتماء وليحافظوا على تراثهم وخصوصية عاداتهم وتقاليدهم.
إن ضياع القيم يؤدي إلى ضياع الكرامة الوطنية، إن الخطر يتعاظم كل يوم على سورية في ظل تعدد الولاءات والانتماءات والهويات الضيقة القاتلة، وليس بغير الأدب والشعر والرواية والفكر نتصدى لهذا الخراب، إن عدونا يدرك أهمية أوابدنا فسرقها، وآثارنا فحطمها، ومفكرينا فقتلهم، كل هذه الجرائم مدروسة لكي يفتتوا الانتماء ونصبح شعباً بلا فكر ولا ثقافة، تقودنا العصبيات القبلية والطائفية، لا نرتبط بالماضي ولا بالحاضر، من هنا يجب التوثيق، يجب التأريخ عبر الأنماط الإبداعية كما فعل الكتاب الفلسطينيون، حيث عبروا عن قضيتهم بشتى الطرق متجاوزين في أحيان كثيرة الأساليب الفنية كي يوصلوا رسالة الحق والنضال للعالم.
وأضافت الأديبة عبود: نحن في سورية نحتاج إلى المثقف الواعي المنتمي ليشارك ويسهم في بناء وترميم ثقافتنا التي تعرضت كما الشعب الى القتل والتشويه والتدمير، وهذا لا يتم عن طريق أشباه المثقفين الذين تكاثروا كما الفطر في هذه الأزمة، وصارت لهم منابرهم وكتبهم وجمعياتهم التي لم تستطع التصدي للخلل الثقافي.
المشهد الثقافي السوري يحتاج إلى مبدعين حقيقيين ومفكرين منتمين يمتلكون المعرفة والقدرة على الإقناع والتأثير والتغيير في المجتمع المتصدع نفسياً ومعرفياً وأخلاقياً، كما لا بد من تأكيد المبدع على أهمية نضالنا وأحقية كفاحنا واحترام رموزنا وتبجيل شهدائنا وأبطالنا حتى لا يذهب دمّ المدافعين عن الوطن هدراً ولا يتساوى العالم مع الجاهل، ولا الخائن مع المواطن الشريف.
أخيراً، لا بد من الانتباه إلى الأديب الحقيقي وتقديره وتكريمه حتى لا تختلط الأدوار بين المدعي الذي يشوه الكلمة ويسيء إلى الثقافة والمثقف.
* وتقول الأديبة تغريد الخليل: إن الثقافة سلوك إنساني حضاريّ نبيل يتحلى به الإنسان، ويعتنق فكره قبل أن تكون علوماً متنوعة تضيء على منافذ الحياة والمجتمع بشكل عام، والفكر الإنساني الراقي هو حصيلة ثقافات وخبرات وتجارب وحضارات مرت عبر العصور، لذلك يقع على عاتق الثقافة العبء الأكبر للمحافظة على الفكر السليم المنسجم لكلّ مجتمع وتطويره وبنائه بشكل مستمر واحترام الآخر كالنسيج السليم، ولوحة الفسيفساء..
ولما كانت الثقافة في اللغة هي التهذيب والخلو من الاعوجاج، لذلك أُعطيَ الدور الأكبر للثقافة في ترميم ما تصدّع من قيم وقناعات وما اعوجّ منها، وذلك من خلال نشر الفكر الثقافي السليم المُواتي لمجتمعاتنا والإضاءة على الأفكار التي أدت إلى هذا التصدّع، من خلال ندوات ومحاضرات في المدارس والمراكز الثقافية والتعليمية ووسائل الإعلام، فأوّلُ الغيثِ قطرة، وهي الإشارة إلى مكامن الخطأ والفكر الملوّث والدعايات الكاذبة، هذا كله الذي أدى إلى التصدع والهشاشة في بنية المجتمع وولّد عاداتٍ تتنافى مع قيمنا السامية ومعتقداتنا فأدّت إلى شروخ كبيرة ونحن بغنى عنها.
وتضيف: هناك ثلة ممن يدعون الثقافة، وهم عبارة عن أبواق لمنظمات دولية معادية للإنسانية ومرتبطة وثيقاً بالفكر الصهيوني والماسونية العالمية، هدفها تدمير الفكر الإنساني والحضارة الإنسانية تنفيذاً لبرامج مُقَوْلَبَة من خلال إغرائهم بالمال والسلطة والشهرة في المنتديات العالمية، وهل ننسى مال النفط العربي الداعم بشكل رئيس، وخير مثال دعمهم للإرهاب في البلاد العربية وخاصة سورية المقاومة..
ودور الثقافة هنا يكمن في الإشارة إلى أفكارهم الملوثة وفضحهم وبرامجهم ومن يشغلهم، والمحافظة على نشر الفكر الإنساني السليم الذي يحقق للإنسان الرفاهية والسلام والأمن ورغد العيش، وترسيخ قيم الوطن والمواطنة ودعم البرامج الهادفة لبناء الفرد والمجتمع وفق تعاليم الديانات السماوية السمحة والخلق الكريم، والحديث يطول..

سماح العلي

تصفح المزيد..
آخر الأخبار