العـــــدد 9340
الثلاثـــــاء 30 نيســــان 2019
توجهنا للأديبة مناة الخير بالسؤال عن دور الثقافة في ترميم ما تصدّع من قيم وقناعات فأجابتنا بما يلي: إن البناء الداخلي للإنسان مسؤولية الثقافة بمفهومها الواسع المفتوح، فكل ما يتعلق بمنظومة القيم والعادات والأخلاق وبالتالي العلاقات التي تتأثر بهذه المنظومة محكومة بثقافته الاجتماعية والمعرفية فعلاقة الإنسان بمجتمعه ووطنه والإنسانية كلها مفاهيم ثقافية تضاف إليها المعارف العقلية فتصقلها وتبرزها، وإذا كان الكيان العمراني والاقتصادي السوري قد أصابه التصدّع في مواقع عديدة جراء هذه الحرب الظالمة التي شنتها قوى البغي والطغيان بأدوات داخلية وخارجية على سورية ولكن هذا التصدّع قابل للترميم خلال فترة محدودة، فإن التصدّع الذي أصاب البنيان الثقافي والقيمي للإنسان السوري وخاصة أجيال الشباب والأطفال يحتاج إلى جهود جبارة وسنين طويلة لأن إعادة بناء البشر أصعب بكثير من إعادة بناء الحجر، فهذا الجيل الذي شهد الحرب وويلاتها وذاق مرارة اليتم والتشرد في كثير من المدن والقرى السورية اهتزت لديه كل الثوابت التي تسهم في بناء الشخصية الإنسانية وبالتالي فدور الثقافة يحتاج أضعافاً من الجهود والندوات الجماهيرية لبثّ روح التفاؤل والإيمان بتاريخ هذا الوطن وقدرته على النهوض، فلطالما تعرضت سورية لأزمات كبرى عبر تاريخها الطويل الممتد إلى ما يزيد عن ستة آلاف عام ولكنها كانت دائماً تنهض وتستأنف مسيرتها ودورها الحضاري..
وما تقوم به الجهات الثقافية يظل محدوداً ومحصوراً ضمن أطر ضيقة ولابد من سبيل للتواصل مع الشباب والناشئة الذين يحتاجون إلى استعادة ثقتهم بتاريخ أمتهم، خاصة وأن العولمة وانتشار سبلها ضيعت الهوية والبوصلة ويبقى السؤال كيف؟
وتابعت الأدبية حديثها قائلةً: نحن نعمل ولكن التواصل مع الأجيال الشابة ما يزال ضيقاً ومحدوداً فإذا لم يأتوا إلينا فلنذهب نحن إليهم في المدارس، في المقاهي الأدبية، في أماكن تجمعهم لنحاول مدّ الجسور من جديد ربما يثمر هذا التلاقي رؤى جديدة..
نحن نحتاج إلى ورشات إعمار ثقافية وهي ورشات تحتاج جهوداً ومثابرة وإيماناً بدور الثقافة والمعرفة، هذا الدور الذي تبين من خلال الحرب على سورية أن جهات كثيرة خارجية وداخلية استغلته لتجنيد أبناء الوطن ضد أوطانهم ومارست أساليب جهنمية لتحول آلافاً من الشباب إلى قتلة متوحشين..
نعم لابد أن هناك ثغرات كبيرة في بنياننا الثقافي استطاعت قوى الظلام أن تنفذ منها إلى وطننا وأبنائنا ولابد أن يكون هناك مشروع نهضوي ثقافي حضاري يرمم ما تصدع ويعيد بناء ما تهدم ويشمل المدارس والجامعات ووسائل الإعلام كافة والمنابر الثقافية المتعددة، إنه إعادة إعمار يحتاج كل الجهود وكل الطاقات..
وعن استقطاب المثقفين الحقيقيين وزجّهم في إعادة الإعمار أضافت الأديبة مناة الخير قائلةً: كما ذكرت سابقاً الثقافة بناء الإنسان من الداخل ولا يمكن أن يكون البناء سليماً ما لم يمتلك البناؤون القدرة والمعرفة والتوجه السليم، وقد تكاثر في هذه الحرب كما في الحروب مدّعو الثقافة والوطنية ورافعو الشعارات الكبرى التي لا تستند إلى أساس حقيقي في الممارسة ونخشى أن تروج هذه العملة الرديئة فتطرد العملة الجيدة من الساحة، لابد من العودة إلى المعايير التي تعتمد لتقييم المثقف الحقيقي والأستاذ الحقيقي والطبيب الحقيقي .. إلخ.
وختمت الأديبة حديثها بالقول: في تاريخ العرب كانوا يقيمون الاحتفالات إذا ولد في القبيلة شاعر أو خطيب، وفي الدول المتقدمة يكرم المثقف والأديب تكريماً كبيراً لأنه حامل مشعل الفكر والإبداع في حين ما يزال الكاتب والمبدع والشاعر العربي يحتاج إلى الكثير من الدعم والتقدير ولكن هذا لا يعفيه من تحمل مسؤوليته تجاه وطنه, و أبناء هذا الوطن فهو الرائد (والرائد لا يكذب قومه) إنه يستطلع طريق المستقبل ويمهد لها.
ندى كمال سلوم