وقال البحــــــر .. سلطان البحر

العدد: 9276

الثّلاثاء 23-1-2019
الكاتب: د. بشار عيسى

مع بزوغ فجر كل يوم ، يحول البحر الصباح إلى أمل جديد، مع شروق أشعة الشمس على أصوات موسيقى ابتسامات أمواجه الحالمة، فالبحر هو ذلك الأفق الساحر الذي يعيدنا إلى عالم الذكريات الجميلة، ويكشف لنا الأسرار الدفينة، ويكتب القصص والحكايات، ويؤلف الأساطير والروايات العديدة.
يعتبر السلطان إبراهيم عبر الزمن واحداً من أشهر سلاطين البحر، بل هو تحديداً أحد أهم سلاطين السمك في هذا الشرق الأوسط، وهو أسطورة من أروع الأساطير بأدغال شرق البحر المتوسط، ولهذا السبب فقد أطلق البشر اسم السلطان إبراهيم على أحد أهم وأشهى وأغلى أنواع السمك في متاهات بحرهم الخلابة، ليبقى دوماً في أذهانهم أسطورة محفورة في صخور الذكريات، وشخصية من شخصيات حكايات ألف ليلة وليلة المشوقة.
إن الكثيرين من سكان مدينة جبلة المتربعة على الساحل السوري، يرددون بكل فخر اسم السلطان إبراهيم، ويؤكدون بأن بحرهم يقدم ألذ الطيبات المختلفة، التي ترتمي في شباك أغلب الصيادين، وعلى رأسها بلا منازع كان سمك السلطان إبراهيم الشهير.
ويتحدث العديد من أهل جبلة عن أنه كان في هذه البلاد الساحرة، والتي تمتلك تراثاً حضارياً عميقاً ومتنوعاً، يبتدأ من الصلصال والفخار ويصل إلى علوم اللاهوت والماورائيات، وفي زمن وردي مضى، عاش أحد السلاطين الذي كان يدعى إبراهيم بن أدهم، في ربوع تلك المنطقة الساحلية الساحرة، وقد كان رجلاً زاهداً حتى أعلى وأسمى درجات الزهد، وتقياً، ونقياً حتى أميز مراتب النقاء.
ولكونه لم يكن يحب السلطنة في يوم من الأيام، فقد قرر أن يترك عرشه بشكل نهائي ويتنسك، ولذا فقد أخذ قطيعاً من الغنم، وسار به بين ثنايا وسفوح الجبال الخضراء، ومروج تلك السهول، و قد كان يقتات من كل فاكهة الشجر المختلفة، ومن الخبز المُلوح بنار الحب والكرم و الطيبة، والخارج لتوه من تنور الأيام المشعة، وكان يتجول دائماً بثوب من الصوف المنسوج يدوياً، ليقيه برد الشتاء القارس، و يرد عنه أيضاً أشعة شمس الصيف الحارة.
وفي يوم من أيام صيف حار، وبينما كانت صفحة مياه ذلك البحر الأزرق صافية كالقلب السعيد، والأسماك تتقاذف و تطفو على سطح الماء، بدأ إبراهيم بن أدهم يتجه بقطيعه نحو البحر، منحدراً من خلال ممرات الغابات البكر التي لا ولم يقطع أشجارها أي إنسان، وفور وصوله الشاطئ وتركه لقطيعه، فقد جلس الزاهد فوق صخرة مطلة على البحر، وأخرج إبرة ليخيط بها رقعة في ثوبه الصوفي اليتيم، وبينما كان يحاول الإمساك بالإبرة سقطت منه في ماء البحر، وبدا له أنه من المستحيل العثور عليها في لجة البحر، وفي هذه الأثناء خرجت سمكة من الماء، حاملة إبرة الزاهد إبراهيم على ظهرها، و قالت له بعد أن أنطقها رب العالمين جلت قدرته تعالى: لقد كانت الأسماك تتشاجر لحمل هذه الإبرة إليك، وقد كان الفوز من نصيبنا نحن السمك الرشيق، ومنذ ذلك الوقت سمي هذا النوع من الأسماك بسمك السلطان إبراهيم، ويتميز شكله بكونه حاملاً حسكاً مميزاً عليه يشبه الإبر الواخذة.
وبعد كل ما تم ذكره آنفاً، ورغم عموم الآراء المختلفة، فإن سكان مدينة جبلة بشكل خاص يعرفون مقام العارف بالله السلطان إبراهيم، ويوقرون مزار ومقام أحد أهم وأشهر المتصوفة والزُهاد في تلك المنطقة.
وأخيراً فمن الضروري جداً لنا أن نعلم كيف أصبحت اليوم نمطية تفكيرنا، وهل فقدنا روعة الخيال، ومحاكاة جمالية هذه الأساطير لتُلهب مخيلتنا، ولتُثير زُهدنا و كل أحلامنا العائمة فوق الماء، ليصبح كل شيء في حياتنا يسير بشكل آلي فقط ، فأين أصبحنا والغابات تتوالد، والأشجار تدر أرزاقها بوفرة، وسمك السلطان إبراهيم يروي قصته للدنيا بأجمعها.

 

 

 

تصفح المزيد..
آخر الأخبار