إعادة الإعمـــار بين الضـــرورة والـــقرار

العدد: 9337

23-4-2019

باسل حوكان
المسؤول الإعلامي في حزب الشباب للبناء والتغيير

لا يغير الله ما بقومٍ ، حتى يغيروا ما بأنفسهم..
لمجرد أنني قررت الخوض بموضوع إعادة الإعمار، رأيتني، استهل بهذه الآية القرآنية لما لها من مدلولات وإسقاطات (اعتقدتها) في حالتنا السورية..
ولكي لا نطيل المقدمة، فإني اعتقدت دائماً، بأن عملية إعادة الإعمار، آخر مطافاتها وأسهلها هي الإعمار بمفهومه الإنشائي والعمراني، وإنما تكاد تقتصر هذه العملية على إعادة بناء سورية الإنسان..
وباعتقادي، فإن أي بحث يُعنى بعملية إعادة الإعمار، وبالتالي، عملية إعادة الإعمار ذاتها، يجب أن تبدأ من البحث في أسباب الدمار.
وبالعودة للعام 2011، وبداية الأزمة السورية، وما درج المحللون السوريون على تسميته (المؤامرة الكونية) على سورية، فإن سؤالاً يطفو على السطح، وفيه مربط الفرس فيما أذهب: لماذا كنا نحن السوريين أو بعضنا، وسطاً مناسباً ومرتعاً خصباً لتسلل المؤامرة الكونية تلك؟
وهنا وبطبيعة الحال، يختلف الأمر، عن دفع الآخرين للتآمر على سورية (بمواقفها ومحورها وموقعها ووو …).
ومن البديهي باعتقادنا، أنّ ما من إجابة ترضي المنطق الموضوعي الشفاف إلا أن السبب يكمن ما وراء (الجهل والفقر)، فالفقر ينتج الجهل، كما الجهل ينتج الفقر،
ويكادان أن يكونا وجهين لعملة واحدة من حيث إسقاطاتهما الكارثية على المجتمعات، فلولا الفقر (بعيداً عن تخوين أحد) والجهل، لما اضطر أي من أدوات (المؤامرة) من السوريين للقبول بأن يكون (خائناً) مأجوراً يسعى ويساهم بتدمير بلده وربما عائلته.
فلم نشهد عبر تاريخ البشرية، بلداً متقدماً يرفّه مواطنيه، شارك مواطنوه بالتآمر عليه، بينما تبقى المجتمعات الفقيرة مضغة سهلة بفم القوى والطغم الدولية للانقضاض على مجتمعاتها تلك، فالجائع بالمعتاد (هو ثائر متآمر تحت الطلب).
و رب قائل أن سورية قبل 2011 كانت تعيش بحبوحة وبداية انفتاح ونماء لا يستطيع أحد نكرانهما.و باعتقادي، أننا قبل 2011، كانت الحكومات تسعى لتحقيق تنمية لكنها في بعضها، وهمية لأسباب يمكننا تلخيصها بعدة نقاط:
* لا يجوز أن نقارن سورية ما قبل 2011 مع سوريا 2019 بعد جملة الدمارات التي حدثت بفعل كل ما حصل، علينا لنكون موضوعيين، مقارنة سورية ما قبل 2011 بين ما كان عليه واقعها آنذاك، وبين ما كان يجب أن يكون.
فالحكومات السورية المتعاقبة قبل 2011 كانت تعيش حالة بعثرة اقتصادية تتعلق بالمُسمّى الحقيقي لاقتصادنا (اشتراكي – حر – سوق اجتماعي … ) أم كل هذا، مع ما يعنيه هذا التبعثر من تعثر لخطط التنمية والنمو المفترضين بأية دولة، سلوكهما.
* لا شك، كان هناك استقرار بأسعار الصرف، وبأسعار السلع والخدمات، ووسطي الرواتب والأجور كان يصل لما يعادل وسطياً 200 دولار أمريكي، لكننا نعود للقول (لا يجوز بحال المقارنة بين حالنا الاستثناء الآن وبين حالنا قبل ).
* لا شك أن المواطن السوري كان ومن خلال دخله الوظيفي يستطيع تأمين سكن وسيارة، من خلال قروض مصرفية هيأتها المصارف العامة والخاصة، وهو الأمر الذي يشير إلى بحبوحة وهمية لا حقيقية عاشها المواطن المثقل دخله الشهري بما يقارب راتبه أو يتجاوزه (فمن أين سيتم استدراك النقص؟!).
* إن توخينا الشفافية، وعدنا لما قبل العام 2011، واستعدنا صوراً من واقع المجتمع السوري آنذاك، لبادرتنا مجموعة من المحطات، تبدأ من بداية مخيفة لغياب أو تغييب الطبقة المتوسطة بالمجتمع وهي المعوّل عليها في عملية التنمية والتوازن بأي مجتمع، يقابل ذلك انتشار واضح للفقر أدى مثلاً في محافظة الحسكة لنزوح أكثر من ( 400 ألف حسكاوي) للعمل خارج محافظتهم نتيجة الفقر والبطالة، ويقابل هذا الفقر بداية ظهور أصحاب رؤوس أموال مليارية، وتحكم بعضهم بمقدرات السوق السورية، هذا المشهد يكفي للتدليل على ما كان عليه المجتمع السوري.
* كادت سورية قبل 2011، في الكثير من إيقاعاتها اليومية، أن تؤسس لبداية مرعية برعاية أو دونها، لانتشار ما يمكن اعتبارها معيقات تنمية، من الولاءات العشائرية وسواها من الولاءات ما فوق الوطنية، ما يشير برأينا، إلى تراكم ثقافة مخيفة ولدتها إهمالات متعددة لغياب دور المؤسسات التوعوية المعنية وغياب أي أثر للمجتمع المدني في صيرورة الحياة، ومن الطبيعي أن أوساطاً شعبية توالي تلك الانتماءات هي أوساط تعيش تسطيحاً ذهنياً قابلاً للانقياد لكل ما هو غير محمود بالسلوك الوطني.
أطلنا كثيراً بالحديث عن الفقر والجهل والواقع السوري ما قبل 2011، اعتقاداً منا أن معالجة تلك الأسباب، تعني نتيجة حتمية واحدة وهي البدء بإعادة الإعمار الحقيقي لسورية، ومن البديهي أن هذه العملية الضخمة، لا بد لكي تتم، أن تبادر لها حكومة تمتلك القدرة والرغبة والجلد، فحكومتنا فيما نعتقد، لا تمتلك مساحة العمل الكاملة لاتخاذ القرار الذي ترغب به للبدء بشكل فعلي بعملية إعادة إعمار سورية الإنسان التي تتطلب حرية مطلقة باتخاذ القرار، وهنا وللحق، يجب ألا نضع اللوم كله على الحكومة، ولا على الأزمة، ولا على القوى الدولية وضغوطاتها على سورية والسوريين..
إن الملامة والسبب كله يقعان فيما نعتقد، على ما يمكن تسميتهم (تجاوزاً) بعض المافيات من أمراء الحرب ومستثمري الأزمة، ممن أصبحوا وللأسف قادرين على التأثير عبر أقنيتهم الخاصة، و بالتالي فإن عملية إعادة الإعمار، يجب أن تتم من خلال منظومة حكومية يتم اختيارها عبر دراسة موسعة تشمل كل حكومي بعيداً عن المؤثرات الخارجية.كما لا بد، من طرح التشاركية وتوسيع هامش المشاركة، لجميع القوى السياسية والمدنية مع إيلاء منظومات المجتمع المدني الخصوصية الأكبر، فمثيلاتها استطاعت أن تجعل من ألمانيا بعد دمارها، خامس قوة اقتصادية عالمية، وهي ذاتها التي طورت أوروبا و بعض دول آسيا خلال عقود قليلة.
الإنسان السوري الذي قهر الحرب، وحارب الحصارات وانتصر على العقوبات، هو ذاته قادر على بناء سورية وطناً لكل أبنائها..ليبدأ الإنسان السوري ببناء ذاته، مواطناً لا مرجعية له ولا انتماء ديني أو طائفي أو عرقي سوى انتمائه لسورية الإنسان، حينئذ يبدأ العمران السوري بالنهوض بمختلف الميادين القانونية والاقتصادية والمؤسساتية والعمرانية.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار