العدد: 9337
23-4-2019
الدكتور علي أحمد محمود
أستاذ في كلية الهندسة التقنية – جامعة طرطوس رئيس قسم هندسة الأتمتة الصناعية
إن المؤامرة الكونية التي عصفت بسورية والتي رافقها مجازر بشرية يندى لها جبين كل إنسان حر في هذا العالم، أدت كذلك إلى تدمير ممنهج للاقتصاد السوري وامتدت آثارها المدمرة إلى المجتمع أفراداً وجماعات.
برأيي أن الحرب على سورية ما كانت لتنجح لو أن وجدت بعض المناخات التي كانت جاهزة بفعل تربوي هادف تم بغفلة منا وقد يكون بغض الطرف عنه أحياناً.
إن تهيئة الإنسان السوري لمرحلة ما بعد الحرب ليكون جاهزاً لإعادة الإعمار يجب أن تبدأ برأيي بوعي الأثر التربوي وخطورته، فالتربية هي المشكلة كما أنها هي الحل.
فإن عجزت التربية عن صناعة مؤهلين وقادرين على مواجهة نتائج المؤامرة والتصدي لتحديات المستقبل فكل جهود الإعمار (الحجري) والإعمار التنموي بكافة أشكاله مآلها الفشل الذريع مهما بلغ محتوى أرضنا من الطاقة والخيرات.
لن يكون بإمكاننا إحداث النقلة النوعية المطلوبة في إعداد جيل الشباب لمرحلة إعادة الإعمار في ظل الأساليب المتخلفة وفي ظل البيروقراطية المعشعشة في مؤسساتنا التربوية والتعليمية والبحثية.
فإذا كانت الدول المتقدمة تعليمياً كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان تقر بالحاجة الملحة لتطوير الأنظمة التربوية والتعليمية فكيف بنا نحن ما زلنا نركن إلى أساليب عفا عليها الزمن في التربية والتعليم وأساليب القبول والتقويم.
إن الدولة في سورية تتحمل أعباء مادية كبيرة جداً تصرف على قطاعي التربية والتعليم العالي وفي نفس الوقت نلقي بهذا الإنتاج من المختصين والمؤهلين في الشارع دون أي تفكير جدي في استثمارهم، جحافل من الخريجين يتسولون فرص العمل لدى مؤسسات في سوق العمل عجزت طوال عقود عن استثمار هؤلاء الخريجين وإن حدث وأعلنت هذه المؤسسات الحاجة إلى خريجين فاختيارهم يتم دون أي احترام لإنسانيتهم وبعيداً كل البعد عن الحاجة الأساسية أو مبدأ تكافؤ الفرص في الاختيار وضمن أسس فاسدة دون خجل أو حياء.
لا بد من إعادة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة وتأتي المؤسسات التربوية والتعليمية في مقدمتها، فلقد بدأت تنتشر المؤسسات التعليمية والتربوية الخاصة على نطاق واسع وهي في أغلب الأحيان في منأى عن الرقابة الحكومية الفعلية وبدأت في التأثير على المسار التعليمي والتربوي، فلماذا لا تشارك المؤسسات الحكومية التي تحتاج إلى سيولة مالية في عمليات التعليم الخاص خاصة وأنها تمتلك المؤهلات والبنية التحتية اللازمة لذلك.
لابد من السعي إلى تربية الجيل في مؤسساتنا التعليمية والتربوية بحيث يضع خلفه الأساليب التربوية والتعليمية القائمة الطاعة والاكراه والعنف وأساليب سطوة المعلمين.
مازالت مؤسساتنا التعليمية تعتبر المدرس والمقرر هو المصدر الأساسي والوحيد للحصول على المعلومة، هذا الأسلوب مرفوض دائما فكيف في عصر الانفجار المعلوماتي الذي يصبح فيه الطالب المتابع معلوماتيا أكثر معرفة من أستاذه الذي لايملك كمبيوتر ويرفض التعامل معها وغير متصل مع الشبكة؟؟؟
لابد من بذل الجهد لإعداد جيل يؤمن بالاختلاف عن الغير، متمسك بهويته الوطنية وفي الوقت نفسه منفتح وقادر على التواصل مع الآخر المختلف وأن يكون قادرا على تحرير نفسه من النصوص الجامدة الموروثة والتأويلات والتفسيرات المناقضة للحياة. إن التمسك بالقيم والمبادئ يجب أن لا يتعارض مع كوننا بشرا في المجتمع الإنساني الكبير ولا يمنعنا من التعايش والتفاعل معه.
لا بد من تهيئة جيل قادر ولديه الشجاعة على حسم التناقضات التي تعيشها ثقافتنا (بتراثها المقدس) مع العلم حتى لا ينشأ لدينا جيل مصاب بحالات مختلفة الفصام.
الانتماء الوطني يتناقض كلياً مع دعم الانتماءات الدينية والمذهبية وفي ظل وجودها الرسمي سيبقى انتماؤنا الوطن مهزوزاً وضعيفاً ومهدداً.