العـــــدد 9336
الأربعاء 17 نيسان 2019
يجمع حيدرة مصروفه اليومي في كيس من نايلون، يدسه في جيبه أينما ذهب . .
هو طفل في الصف الأول الابتدائي، يرفض أن يشتري بما يقدم له من ليرات حين يذهب إلى المدرسة، يجمع ماله ليشتري به بيتاً في المدينة!
يتحدث بثقة كرجل صغير، وقوة لم أرها يوماً . . حين قدمت له حلاً أسهل، فالبيت في المدينة يحتاج إلى الملايين الكثيرة، بينما شراء سيارة يكون أخف حملاً على أكتاف حيدرة الرقيقة -قلت له- وأنا أضحك، فبيتك هنا جميل . .
أجابني بجدية: لا. . أريد بيتاً في طرطوس، لا أحب السيارات ولا قيادتها!
وباستغراب ولتوضيح فكرته، أضاف وهو يشير بيده إلى موقع مدرسته البعيدة فوق قمة الجبل أمام شرفة بيته في القرية المنسية: هناك عند خزان الماء، هل ترينه؟ هناك مدرستي!
وتابع حديثه، وهو يفتح عينيه متعجباً ويتحدث عن المسافة الطويلة التي يقطعها يومياً إلى تلك المدرسة، في طريق متعرج ضيق يصعد به، ورفاقه إلى قمة الجبل، وكأنه لا يصدق ما يقوم بفعله كل يوم رغم مرور أشهر طويلة من سنته الأولى في المدرسة.
سألت: أتذهب ماشياً . . صيفاً وشتاءً؟
أجاب مبتسماً: عند جارنا سيارة، فإذا كان مغادراً القرية يأخذني ورفيقي، ويضحك، بل يقهقه وهو يحكي كيف مشى الجار يوماً بسيارته، وتركهما وهما يهمَان بالركوب معه، مشى وقد شغلته صبية أرادت توصيلة مثلنا، مشت السيارة، وبابها مفتوح . .
ضحك حيدرة بقوة، وكأنه يعزف على قيثارة من نبض الروح.
قرية حيدرة صغيرة، وعدد سكانها قليل، لذلك يضطر هو وأطفال القرية كما كل الأطفال الذين يولدون في مناطق بعيدة أن يتعلموا السير بقوة في الطرقات الوعرة، ويحكي بثقة عن أفاعي يرونها، ولا يخافونها، وحشرات جميلة، وديدان وفراشات، وعن أعشاب مفيدة، وأخرى ضارة . .
غاب حيدرة دقائق، وعاد يحمل بيده باقة من إكليل الجبل، ربطها بخيط، وقدمها لي هدية، عربون تعارف، وصداقة.
سعاد سليمان