البخل يدخل بيوت هذه الأيام بالمنغصات

الوحدة: 9- 8- 2022

( اصرف ما في الجيب ..يأتيك ما في الغيب)، لطالما سعينا به في عيشنا، وكنا مكتنزين بالحياة والسعادة، حتى وإن اشتدت الأيام بخناقها علينا، وأفلسنا في تلبية حاجاتها، فليس للشح أن يدخل بيوتنا ولا للبخل، أما وقد (زادت الدنيا بكفوفها )،وألقت بأثقالها على أولادها وجميع ناسها ليكثر المتسولون وتزداد الحاجة والسؤال، فلا نعرف بينهم المحتاج و الفقير من البخيل حتى الذي يتسول في بيته من الزوجة والأولاد.

أم جنى – موظفة قالت :نسمع اليوم عن الكثيرين من الأزواج الذين فرقهم شح مال هذه الأيام المجحفات والمحجمات عن ترضيتهن بالقليل لتتعالى الأصوات بالصراخ وطلب الطلاق .فالقلب بات عليلاً (إن دخل الفقر من الباب خرج الحب من الشباك )،واليوم كلنا فقراء لصعوبة هذه الأيام وجورها، والتي تصعب فيها الحياة، بازدياد الأسعار وشح موارد المال بين أيدينا غير من راتب سقيم لا يقدر أن يلبي حاجاتنا اليومية، فبتنا فقراء ومجبرين في التقتير والتحجيم عن بعض الأغراض إلا الضروريات والأولويات التي تبقينا على قيد الحياة، وهذا ليس بخلاً بل حاجة لهذا الزمان ونتحايل عليه لنعيش، ونحن نصبر ونصابر أولادنا على هذا الوضع، ونبث فيهم الطمأنينة بأن الفرج قريب وأن لهم في الأيام القادمات الكثير من السعادة والبحبوحة.

نهى – طالبة جامعية :أشارت بأنها أحبت زميلها الوسيم في الجامعة،وتمت خطوبتها له بعد سنتين من التعارف، هي من عائلة ميسورة وكان هو يبدو وعائلته بأقل منهم، ولم تهتم للأمر، وظنت به  فقراً لقصر يده عن الهدية أو شراء أي حاجة، وبدأت تسانده وتتعفف عن طلب أي شيء تبغيه صوناً لكرامته وحفاظاً على مشاعره، وتأتيه بالهدايا بدلاً عنه، حتى أنها تدفع الحساب إن دخلا الكافيتريا، وهو لا يغلب نفسه أن يضع يده في جيبه خفية أو يدعي الدفع بكبرياء، وإن حضر إلى بيت أهلها، فهو أغلب الأحيان فاضي اليدين، وإن كلف نفسه أحضر بعض الخضار أو الفاكهة من أرض والده (ببلاش)، وملامح السعادة تبدو على وجهه وكأنه قد أفلح في امتحان  تقول : ضقت به ذرعاً بعد أن مضت كل المناسبات والأعياد ولم أجد منه هدية غير وردة برية، ولأجل الحب كنت قد صبرت، إلى أن رأيته صدفة يخرج من البنك وبيده دفتر حساب، عندها فاجأته بوجودي.. ليتصبب العرق من جبينه وتضيق أنفاسه ولما سألته ماذا كان يفعل في الداخل ؟ رد بخناق :كنت أضع بعض المال لأجل الزفاف، وأخذني (بالعبطة) ببعض الكلام المعسول والمغزول الذي لا ينفع، لكن بعد انصرافي عنه بدأت التفكير ،ولم يهدأ بالي في الأمر، فبت أضعه في مواقف أتبين بها أمره، ولطالما كان يخسر، وعرفت بعد صولات وجولات بين أقرانه وأقربائه بأنه بخيل وكثير التقتير، ولديه من الأراضي والبيوت ما يعيشه ملكاً لكنه يحرم نفسه من التمتع بها، ولم أكن لأتركه في سبيله حتى يدفع كامل الحساب فأدخلته عنوة لأحد المطاعم الفاخرة وقد حملت بيدي أغلى الثياب من محل ألبسة أدخلته إليه عنوة، وقد وعدته بأنه دين أرده بآخر الشهر، أما فاتورة المطعم فقد ضربت الدم في رأسه وأظنه فقد وعيه، بعد أن تركته مع المحاسب وأنا طرت إلى البيت بعد أن  أودعت في جيبه ورقة كتبت فيها : هذه النهاية يا شاطر .

سارة – ربةمنزل  : أشارت بأنها تحمل إجازة في العلوم، لكن زوجها مستور الحال، ولا يريد لها أن تتعب في الوظيفة وتكفيها أعمال البيت وتربية الأولاد، وهي لم ترفض طلبه، لكن مع مرور الأيام كان دائماً يأتي على ذكر زميلاته وزوجات رفاقه في لباسهن وأناقتهن ويؤنبها بين الحين والآخر ولم يكن ليخفى عليها مثل هذا الأمر ويسمعها ترنيماته كما  لم يكن عليها بخيلاً ويمكنها شراء كل ما تشتهيه، لهذا كانت تذهب إلى السوق بين الحين والآخر ،وتأتي بكل ما تحتاجه،ولا تحتاجه لتصرف كل ما في جيبه بل أنها تزيد في طلباتها وتنال أعلاها، لتكون على ما يريد، وهي تخاف أن يأتيها يوماً ويريد الزواج، لهذا لا تترك في جيبه ليرة، وجاءت هذه الأيام العصيبة لينادي بها كل وقت أن تلم يدها قليلاً،وتبخل على نفسها لكنها لم تعد قادرة على الأمر والخوف ما زال يقبع في داخلها .

أم جوى – مدرسة ، قالت : إن أبغض وأمقت ما في الرجل من صفات هو البخل، لقد تزوجت من رجل بأملاك وأموال ظننت أني سأحيا بها ملكة في بيتي، بداية الأمر ظننته يكذب علي، لو لم أر صكوك وعقود الشراء، فقد كان يقتر في مصروف البيت والأولاد، ويكف يده عن الشراء،ولايحمل شيئاً عند عودته للبيت كباقي الآباء والأزواج، ويردد على مسامعنا (ما معي خلص الراتب )،فيبكي الأولاد، ومصروفهم اليومي قليل بالنسبة لرفاقهم، وإذا ما طلبت حاجة لهم من  الملابس أو شيئاً من لوازم البيت تمنع وأجل إلى أن ينسى، وكثيراً ما نكذب و نزيد عليه لنأخذ جزءاً مما تيسر، وقد اضطر لأخذ ما أجده في جيوبه عند غسل ملابسه، ولا يسأل إذ لا يعلم أين وضع ماله.. و كم معه؟.

لقد صبرت عليه لأجل الأولاد وأصرف كل راتبي لكنه لا يكفيهم لحاجاتهم في المدرسة والمدرسين وغيره لأجل الغداء، بل هو يسألني عن طعامه وأين اللحومات ؟ إنه كابوس أصحو عليه كل يوم، ولا شكر ولا امتنان حتى أنه يبخل علينا بكلمة حلوة. فالبخيل هو بخيل بكل شيء حتى بمشاعره وأحاسيسه، ولايرى سعادته بغير جمع المال.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار