وقـــــال البحــــــر…مفتاح السعادة

العــــــــــــــدد 9326

الأربعاء 3 نيسان 2019

 

تُعرف السعادة بأنها حالة رضا تملأ الشعور وتناسب جميع الميول، وتنشأ السعادة من إشباع الرغبات الإنسانية كماً وكيفاً وقد تنمو إلى مستوى الرضى الروحي ونعيم التأمل والنظر، وبشكل عام لم يعد مفهوم السعادة حكراً على ما يطلقه الفلاسفة من آراء من خلال تجاربهم وانطباعاتهم الشخصية بل أخذ هذا المفهوم يظهر في ميادين البحث بشكل عام.
وتقسم السعادة إلى نوعين أولهما انفعالي أي الشعور باعتدال المزاج، وثانيهما معرفي تأملي يتصف بالتعبير عن الرضا بالحياة.
وتشير العديد من الدراسات إلى أهمية العلاقات الاجتماعية في إلقاء ظلال السعادة على حياة الفرد، ومن تلك العلاقات الحب والصداقة ووجود الأبناء والأقارب والزواج الذي يمزق شباك العزلة عن الفرد، فمن المعروف أن الوحدة قد تؤدي أحياناً إلى الاكتئاب والقلق والملل، إضافة لانخفاض تقدير الذات، وقد يحمل الزواج السعادة للأنثى أكثر من الذكر، وذلك لتوافق عالم الزواج مع رغبات الأنثى وحاجاتها.
ويجدر الذكر أن من أهم العلاقات الاجتماعية التي تحمل في طياتها عبق السعادة هي علاقة الصداقة، حيث تعتبر الصداقة إحدى أهم وأجمل الخيوط الأساسية التي تدخل في صناعة نسيج عباءة السعادة التي تغمر الفرد بالرضا، وتفيد الدراسات بأن من لهم أصدقاء أكثر ويقضون معهم فترة أطول هم أناس أكثر سعادة من غيرهم، وتأخذ الصداقة أقصى أهمية لها في فترة ما بين المراهقة والزواج، حيث تكون العلاقة الاجتماعية الأساسية ثم تعود لتستعيد أهميتها عند الشيخوخة، ويوفر الأصدقاء تحسيناً للحالة المعنوية وتفريغاً للتوتر من خلال التحدث الجاد عن الهموم والمشاركة العاطفية والدعم الاجتماعي والنفسي وتبادل الآراء والنصائح.
من البديهي أن العمل ينظم الوقت ويكون منفساً للحوافز الداخلية والحاجات النفسية إضافة إلى أنه يُثمر مالاً، ويكون الناس سعداء في عملهم عندما يكون أكثر تنوعاً ويتيح قدراً من الاستقلالية ويؤثر في الآخرين و يُؤْمِن جواً اجتماعياً مريحاً ومكانة مرموقة، ويزداد الرضا عن العمل لدى الأفراد شاغلي الأعمال التي تتطلب مهارة كبيرة متوافقة مع رغباتهم وقدراتهم.
يمثل النشاط الممارس في وقت الفراغ واحداً من العناصر الهامة للشعور بالسعادة والرضا العام عن الحياة، حتى إن الكثير من الناس يعتبرون النشاط وقت الفراغ أكثر أهمية وتحقيقاً للرضا والسعادة من العمل، لأن تلك النشاطات تُمارس بدافع داخلي حر بما يتوافق مع المهارات والهوايات، ولأنها تحقق إشباعاً للرغبات والمطالَب، أو إنها تؤمن الاسترخاء المنشود.
ترتبط السعادة بالكثير من الصفات الشخصية للفرد، ومنها التعليم والصفات النفسية والذكاء والحس الجمالي والصحة والعمر والمقومات الجسمية، ولا تحتاج السعادة إلى معجزات عظيمة، فكل ما تتطلبه هو قلب متسامح ووجه مبتسم وقناعة بالرزق وثقة تامة بالله تعالى، وتشير الأبحاث إلى أن الأفراد الأعلى مرتبة في مستوى التعليم هم بالغالب أكثر سعادة من غيرهم، فالتعليم يجعل المرء أكثر احتراماً وتقديراً لذاته، ويجعله أكثر قدرة على حل مشكلاته، وهذا ما يتفق مع ما طرحه فلاسفة اليونان القدماء، فقد قال أرسطو إن السعادة تكمن في الحكمة ولا يوجد سعيد في العالم إلا العاقل.
لا شك أن التوازن النفسي مهم جداً للإحساس بالسعادة وذلك لما يوفره من حل للصراعات الداخلية وما يفرزه من قناعة، وكما قيل فإن القناعة كنز لا ينفذ، فإنها تردم الهوة بين الطموحات والإنجازات أو الإمكانيات، وتلك الهوة التي توصف بأنها نعشاً للرضا ومقبرة للسعادة.
تعتبر القدرة على تحسس الجمال وإمكانية تذوق الفنون من مصادر السعادة، فالجمال توءم اللذة، والفن استجابة للحاجة إلى المتعة، فليس غريباً أن يبعث الجمال على السرور، وأن تُثير الفنون التأثر الوجداني الإيجابي، وبالتالي فإن الأفراد الأكثر قدرة على تحسس الجمال بأشكاله وتذوق الفنون بألوانها هم أكثر قدرة على الخوض والغوص في عوالم اللذة والمتعة.
تختلف السعادة من شخص إلى آخر ولكن بمعدلات ليست بكبيرة، ويعود تفسير ذلك لسببين رئيسيين:
× إن عتبة الشعور بالسعادة ترتفع مع الوقت بوجود المقوم المحرض، فقديماً قيل إن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، ولكن الأصحاء لا يعيشون متعة تيجان صحتهم ولعل في تلك الحكمة سر دفع عجلة الحياة عند الناس.
× إن الإنسان يتكيف ويتلاءم عند فقد أحد مقومات السعادة بالتعويض.
وأخيراً فإن العدالة الإلهية اقتضت توزيع السعادة بين البشر على اختلاف أشكالهم وممتلكاتهم بفوارق متفاوتة، فتخضبت بالسعادة النفوس وامتلأت بالرضا العقول، فسبحان الله في ملكه وخلقه.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار