الوحدة 27-7-2022
الضمير الغائب مكون من متكون محسوس، وإحساس ملموس ، في حضوره تكون الحياة والازدهار والتقدم والتفوق، وفي موته أو غيابه، في إجازة عرضية أو ممتدة، موت وخواء وذبول. إنه الضمير ذلك المقيم في النفوس. ولولا الضمائر لهلك الناس، فلو أن الطبيب والقاضي والمهندس والتاجر والمدير لم يحكموا ضمائرهم ، لهلك بنو البشر ، وانتهت الحياة البشرية بوجهها الذي عرفته المدنية منذ أقدم عصورها ، ولحلت شريعة الغاب محل شرائع العدل والحرية والمساواة أمام القانون ، ولهذا فإن الضمير ، بمفهومه الجمعي ، يكون في الأصل حياً ، وإذا حدث عكس ذلك عمت الفوضى الحياة الآدمية ولكنه عندما يغيب، فإنه يغيب في الحالات المفردة ، فيكون بين الألف طبيب طبيب لا ضمير له وبين الألفي قاضِ قاض لا ذمة عنده ، وذلك محمول وتتعايش معه الأمم ولكن الأفضل للإنسان حرصاً على آدميته ، أن يكون صاحب ضمير حي يحاسب نفسه إذا عجز الناس عن محاسبته ، ويراقب سلوكه إذا لم يكن عليه رقيب إلا نفسه ، وحيث أن الضمير في أصله شعور داخلي نفسي المنشأ، فإن الشخص الوحيد القادر على معرفته والشعور به هو صاحبه، وقد أوجد الله الضمير في الإنسان ليحميه من ظلمه لنفسه وظلمه للناس، حيث يكون مقتدراً على الاختيار بين الخير والشر ، والمنفعة والضر ، وكلما كان الضمير حياً ، كان السلوك شريفاً ، والسكينة حاضرة في النفس المطمئنة التي تراقب وتقوم السلوك المعوج. أما أصحاب الضمير الغائب ، فإن كل نصائح الدنيا لاتجدي معهم ، خاصة بعض ضعاف النفوس. حتى لو كان ذلك من أنين المرضى والمحتضرين الذين لا يجدون الدواء،ولا يحصلون على العلاج إن لم يستدينوا ولقد صارت واحدة من أشرف المهن التي نشأت في الأصل لخدمة البشرية ، مصدراً للثراء الفاحش من آلام الناس ومعاناتهم وتعبهم ، فانحرفت الرسالة عند البعض عن منهجها الأصلي الإنساني، لتصبح ذات منهج نفعي يقوم على المصلحة الضيقة المادية.
لمي معروف