قنديل البحر الرحّال “روباليما نوماديكا” Rhopilema nomadica حقائق وتوصيات

الوحدة:24-7-2022

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تسجل ظاهرة اجتياح أعداد كبيرة من قنديل البحر الرّحال “روباليما نوماديكا” منذ مطلع شهر تموز ساحل العريش ومن ثم الساحل اللبناني مترافقاً مع ارتفاع درجة حرارة الماء وتيار الليفانتين الذي يسود شرق البحر المتوسط في هذه الفترة من السنة، وبالتالي يتكرر ظهور هذا النوع في فصل الصيف من كل عام تقريباً.

شوهدت طلائع من أفراد هذا النوع في جنوب طرطوس في الأيام القليلة الماضية، وقد تصل إلى الساحل السوري كاملاً في قادم الأيام، إما على شكل جائحة كما شاهدناها في المياه اللبنانية، أو قد يجرفها التيار بعيداً عن الشاطئ إلى عرض البحر، فتصلنا بأعداد قليلة.

تتعرض شواطئنا سنوياً لهجمات من قنديل البحر الرحال على شكل تجمعات كبيرة بدرجة غير مألوفة في أواخر الشتاء وبداية الربيع، ليختفي اختفاءً كلياً، ثم يعود للظهور والانتشار على شكل تجمعات كبيرة جداً على طول الساحل السوري في شهري تموز أو آب، ليختفي مجدداً مع نهاية فصل الصيف، مسبباً القلق والذعر لدى مرتادي الشاطئ للسباحة في البحر خوفاً من لسعاته الحارقة والمؤلمة، وبالتالي يُشكّل منغّصاً حقيقياً للنشاط السياحي.

يُعدّ قنديل البحر الرحال “روباليما نوماديكا” Rhopilema nomadica، الذي ينتمي إلى شعبة اللاسعات، من أكبر قناديل البحر المتوسط. يتميز هذا النوع بلون أبيض مائل للأزرق الثلجي، وله مظلة هلامية كبيرة نصف كروية مجردة من الخلايا اللاسعة، يمكن أن يصل قطرها إلى حوالي 100 سم، وتوجد له 8 أذرع فموية تحمل في نهايتها خيوطاً طويلة ورفيعة، تكون الأذرع الفموية والخيوط مزودة بملايين الخلايا اللاسعة. تتصف الخلايا اللاسعة بأنها صغيرة، ومميزة لشعبة اللاسعات، وتحتوي على مزيج فريد من المواد الكيميائية الحاّلة والسموم العصبية والأنزيمات، وظيفتها اقتناص الفرائس والدفاع عن الحيوان، حيث تقوم بلسع الفريسة أو الحيوان المهاجم أو الإنسان، وتحقنه بمزيج من المواد الكيميائية الحاّلة، والحارقة، والسموم العصبية، مسببة التأثيرات الجلدية والتنفسية التي تحدث بعد اللسع، مما أوجب وضعه ضمن قائمة أسوأ مائة نوع غازٍ في البحر المتوسط وأكثرها تأثيراً.يعد قنديل البحر الرحّال “روباليما نوماديكا” نوعاً مهاجراً من المحيطين الهندي والهادي والبحر الأحمر، وأصبح من الأنواع الغازية في البحر المتوسط. أول تسجيل له في البحر المتوسط كان في الساحل الفلسطيني في العام 1977، وجرى تسجيل الجائحة الأولى لهذا النوع في الساحل السوري عام 1995، لينتشر بعدها في المياه التركية ومن ثم يصل إلى غرب البحر المتوسط، وقد وضعت فرضيات عدة حول انتقال هذا النوع وانتشاره في البحر المتوسط، أهمها عبر انتقال يرقاته أو البوليبات مع مياه صابورة وهياكل السفن القادمة من موطنه الأصلي عبر قناة السويس إلى البحر المتوسط. من أهم الأسباب المحتملة للظهور الكثيف والمتزايد لأعداد قنديل البحر الرحّال في البحر المتوسط:

تلعب قناديل البحر عندما تكون بأعداد قليلة وانتشار متجانس ومحدود دوراً هاماً في سلسلة الغذاء البحري، حيث تعدّ غذاءً لسلاحف البحر، وبعض الأسماك، ووجبة ثانوية للسرطانات وبعض الطيور البحرية. كما تسقط فضلات قناديلِ البحر إلى القاع، فتزيد من معدل المغذيات في الأسفل، وفي تغذية بعض الكائنات البحرية التي بدورها تصبح فريسة لكائنات بحرية أكبر، وهكذا حتى تكتمل السلسلة الغذائية، وبالتالي، تسهم في تدوير المغذيات والملوثات داخل عمود الماء، وبين عمود الماء والقاعيات البحرية، وبذلك تؤدّي قناديل البحر، على الرغم من سمعتها السيئة، دوراً مهماً وضرورياً في التوازن البيئي للبحار والمحيطات.أدت التغيرات المناخية، وما رافقها من ارتفاع درجة حرارة ماء البحر وملوحته في البحر المتوسط، بالإضافة إلى التدهور البيئي والتلوث، والناجم عن المخلفات البشرية الصلبة والصرف الصحي والزراعي والصناعي، والتي تصل إلى البحر بشكل مباشرة أو غير مباشر عبر الأنهار الساحلية التي تصب في البحر، واستغلال الشواطئ عن طريق إقامة الحواجز الاصطناعية، وكواسر الأمواج أمام المرافئ، في خلق بيئة مناسبة لتثبت بوليبات قناديل البحر وبالتالي زيادة معدلات تكاثرها اللاجنسي. وقد أدى الصيد الجائر إلى استنزاف الثروة السمكية، وأسهم غياب الأعداء الطبيعيين في بيئتها الجديدة، وانخفاض أعداد السلاحف البحرية التي تتغذى بشكل رئيس على قناديل البحر، وبالتالي تضافر العوامل السابقة مجتمعة قد أدى إلى حدوث حالة من عدم التوازن لصالح قناديل البحر وزيادة عددها، والتي باتت تظهر على شكل جائحات متكررة وتسبب عدداً من المشاكل البيئية والخسائر الاقتصادية. يمكن عدّ قناديل البحر مؤشراً حيوياً للتدهور البيئي، وكلما زادت أعداد قناديل البحر، كانت الإشارة أقوى على أن شيئاً ما قد تغير، وإذا استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري ستكون لصالح قناديل البحر المهاجرة المدارية التي تنافس الأنواع المحلية أو تُقصيها، كما يعد هذا الازدياد الكبير، دليلاً على جسامة التأثيرات البشرية، والتغيرات المناخية والبيئية، التي أدت إلى تفاقم هذه الظاهرة.أضرار قنديل البحر روباليما نوماديكا على صحة الإنسان:

يؤدي انتشار هذا النوع بأعداد كبيرة إلى تهديد حقيقي لصحة مرتادي البحر من المصطافين والصيادين، نتيجة تأثير لسعاتها المؤلمة والحارقة، وينتج عنها إصابات طفيفة في معظم الأحيان، إلا أن القليل منها يمكن أن تكون شديدة الضرر. تعتمد حدة اللسعات على حجم القنديل وعدد الخلايا اللاسعة التي تخترق الجلد، وقوة اختراق الخلايا اللاسعة، بالإضافة إلى عمر الضحية وثخانة بشرته، ومكان الإصابة، وأخيراً درجة حساسية الضحية للسّم. تتمثل تأثير اللسعات باحمرار الجلد وحروق وألم شديد في موضع اللسع، ونادراً ما تكون شاملة للجسم إلا في حالات التحسس، كما تتضمن الأعراض في الحالات الشديدة، حمى وإعياء وألماً عضلياً، أما التأثير الأخطر فهو على العين حيث يؤدي إلى وذمات والتهاب الملتحمة.

الإسعافات الأولية في حال التعرض للسعات قنديل البحر

يُنصح في حال تعرض المصاب للسعات قناديل البحر والشعور بألم حرق في الجسم أثناء السباحة القيام ببعض الإجراءات تشمل الآتي:

– عدم الهلع والذعر، والمسارعة إلى الخروج من الماء.

– غسل الجزء المصاب بماء البحر فقط، وليس بالماء العذب، وتجنب استعمال الكحول أو العطور، لأنها تزيد من التأثير اللاسع.

– يستحسن أن تزال أجزاء القنديل الملتصقة على الجلد بالملقط، أو بالحافة غير الحادة للسكين، وتجنب دعكها بالرمال أو لفها بالضمادات، لأن ذلك قد يؤدي إلى انطلاق المزيد من الخلايا اللاسعة.

– معاملة الجزء المصاب بمحلول مخفف من الخل المنزلي.

– دهن الجزء المصاب بالمراهم المسكنة لألم الحروق، أو استعمال مراهم مضادات تحسس موضعية.

– استعمال كمادات الماء البارد أو الثلج، لتخفيف ألم الحروق.

– في حالة إصابة العين، يجب مراجعة طبيب العينية فوراً.

– يجب عند حدوث صدمات قلبية أو إغماء، استعمال طرق التنفس الاصطناعي، مع المحافظة على درجة حرارة الجسم بتحريكه تحريكاً مستمراً، ونقل المصاب فوراً إلى المشفى لإعطاء العلاج اللازم.

الوقاية عند ظهور قنديل البحر الرحّال:

يجب أخذ الحيطة والحذر عند السباحة في المناطق المعروفة بتواجد قنديل البحر الرحّال فيها، أو عند رؤيته، وفي حال مشاهدته بأعداد كبيرة عدم النزول إلى البحر، لأن لسعاتها قد تكون خطيرة ومؤذية وربما تؤدي إلى دخول المشفى. إذا أردنا إبعاد القنديل عنا أثناء السباحة في حال اقترابه منا، يجب الحرص على لمسه من المظلة فقط، وتجنب الأذرع الفموية والخيوط اللاسعة، فالمظلة في هذا النوع مجردة من الخلايا اللاسعة. عدم لمس قنديل البحر حتى ولو كان ملقى ميتاً على الشاطئ، لأن الخلايا اللاسعة تظل محافظة على قدرتها على اللسع حتى بعد موت القنديل وتحلل معظم جسمه.

تم تجريب وسائل عدة لمنع وإعاقة دخول قناديل البحر إلى قرب الشواطئ والمنتجعات السياحية، وذلك عن طريق إنشاء مناطق آمنة للسباحة، بتثبيت شباك كبيرة ذات فتحات صغيرة نسبياً على عوامات مثبتة بسلاسل إلى القاع (الأحواض المسيّجة)، إلا أن هذه الطريقة مكلفة وغير مجدية، بسبب انتشار المجسات والخيوط اللاسعة لمسافة كبيرة بعيداً عن جسم القنديل، كما أن ماء البحر بحد ذاته قد يحوي بعض الحويصلات اللاسعة التي انفصلت عن القناديل وخصوصاً في فترة الغزارة، مسببة ما يسمى “بالمياه اللاسعة” التي تمر عبر الشبكة وتثير تحسس السباحين دون معرفة السبب.

مع تمنياتي بالسلامة للجميع والاستمتاع بالسباحة في البحر دون أي مشاكل صحية جراء لسعات قنديل البحر.

الدكتور سامر ماميش – دكتوراه في البيولوجيا البحرية، اختصاص قناديل البحر

تصفح المزيد..
آخر الأخبار