الوحدة : 8-7-2022
يجوبون طرقات المدينة بأمل دون حذاء، وضجيج فرح قدوم العيد يسكنهم ليعلو نشيد الروح وتمتد الأمنيات، فهل يطفو فرح العيد على وجه البؤساء، وهل تجود السعادة والإحساس بالعيد مع الحاجة والإفلاس؟ أطفال يسعون في مناكب هذه الحياة، يخرجون من بطون حاويات القمامة القابعة في أحياء الأغنياء، وسط بنايات مغمضة العينين عنهم، فتخرج وجوههم البريئة وقد لونت بسواد ظلمتها المغطسة بمواجع هذه الأيام، وكانوا إن أمسكوا ببعض لقيمات خبزهم وسبل عيشهم،حاملين أحلامهم مع عربة مثقلة بالبلاستيك والكرتون ومغلفات ينشدون منها فرح عيد قادم، فهل لهم فيه نصيب؟ ثلاثة رفاق بملابسهم الرثة، ووجوههم الملطخة بأوساخ الحياة، يجرون عربات أطفال قديمة،وقد حمل أحدهم بين يديه لعبة يؤرجحها بين حين وآخر، ورفيقاه يلفان عليه ذات اليمين وذات اليسار، وكأنهم وجدوا كنزاً وهو يشدو بقوله هذه لأختي فرح.. وأين الفرح لهؤلاء؟ ما إن اقتربت منهم حتى سارعوا في خطاهم، وهم يرموني بالقول معاتبين : ماذا تريدين، لا ..لا تصورينا أرجوك، ليست هذه اللعبة لك، وجدتها مرمية في الزبالة..فاكتفيت بما قاله وتركتهم يحلقون بعيداً وعدت أدراجي أبغي أسواق العيد. السوق يعيش اليوم أوج أيامه وكأنه في عرس، وقد تبرج بكل ما لذ وطاب، وزاد في جماله ألوان صنوف المواد الاستهلاكية والملابس والحلويات. فالعيد قادم وكل ناسه في جلبة وعلى تجاره ليس غلبة، فهنا البسكويت وأقراص العجوة ب8 آلاف، ليجذب أنظار كل من يمر به فتحنو عليه أجسادهم ويأخذون منه المزيد فهو رخيص (ببلاش) وإن صنعته في البيت يكلف أضعاف سعر المواد الأولية ( السكر والسمنة والزيت والسميد والعجوة وغيرها من المكسرات) هذا ما أشارت به السيدة أم مصطفى ، وفي نفق الجامعة وجدت (أبو العز) الطفل المسكين 15 سنة نائماً على الأدراج، وأي عز هو فيه، يستنطق الغادي والبادي أن يدس يده في جيبه ويرمي له بضعة نقود. وعلى الصراف وقفت امرأة بقامة السبعين سنة وما فوق من العمر بوجه نضر الابتسام وجلباب أسود قاهر من المصاب, ومن حديثي مع زميلتي في العمل عن الحياة والأتعاب ذكرت لنا شاكية الحال لتقول : زوجي في الفراش وابني في البيت سقيم أتردد به على الأطباء دون فائدة في العلاج, وابنتاي تشتغلان بشك الخرز لمساعدتي في المصروف, وراتبي وزوجي من ابني الشهيد لا يتجاوز لكل منا 25 ألف ليرة, ماذا نشتري بهما للعيد ( مثله مثل كل الأيام ..تدفيش ) مستورة والحمد لله …
هدى سلوم