العدد: 9321
27-3-2019
تسير الحياة بين حلم و أمنية ، و تمر لحظاتها بين غافل و غانم ، و لعل الوقت هو الشيء الوحيد الذي ينساب من بين أيدينا من دون أي إستئذان أو إرادة فعلية منا ، فيمضي كالبرق و يُسرع كلمح البصر ، و تبقى أعيننا عنه غافلة ، و قلوبنا لإدراكه ساهية ، و حواسنا لإغتنامه غافية . و مهما رمت الحياة أثقالها على عاتق الإنسان ، فيجدر السؤال هنا حول مدى إستطاعة المرء تقليص عدد ساعات عمله ، و توفير المزيد من الوقت المناسب للراحة فيما لو عقد العزم على إجراء تغيير لأسلوب قيامه بذلك العمل ؟؟؟ قد يُدهش البعض عند معرفة أن ذلك ممكن بالفعل في العديد من الحالات ، غير أن تحقيق ذلك الهدف يتطلب بدايةً الإعتراف بخطأ تحميل طول ساعات العمل على عاتق أحد ، لأنه من لا يبذل جهداً حقيقياً يُعرض نفسه دائماً لفرض المزيد من الأعباء عليه ، و في المقابل فإنه يمكن تقليص ضغوط العمل ، و توفير المزيد من الوقت للراحة من خلال إتباع عدة خطوات حيوية و هامة تتلخص في : ١- تجنب المهام التي تعتبر متدنية الجودة في قائمة الأهداف ، و تركيز كل الوقت على تنفيذ المهام عالية القيمة ، و بمجرد القيام بتحديد أهداف واضحة على المدى القصير و الطويل ، سوف يتحدد بسهولة تامة من هو الشخص غير المهم في قائمة من يجب أن يُقدروا جودة العمل و المشروع الذي لن يظهر أبداً في السيرة الذاتية ، و ساعات العمل المنجزة من دون أن يلاحظها أحد ، و يجب مواصلة رفض ما يعتبر غير مهم من الأعباء و التكليفات الجديدة ، و يمكن اعتماد أسلوب دبلوماسي في إبراز أهمية الأولويات التي حُددت من بين الأعباء الملقاة على العاتق . ٢- التركيز على الجودة بدلاً من الكمية ، لأنه من يبني حياته المهنية على أساس إنجاز أكبر حجم من العمل ، يحكم على نفسه بالتحول إلى مجرد آلة ، لا تتوقف عن العمل و لن يُنجز مهماته الموكلة إليه . و في المقابل نجد أن الجودة هي الأهم ، لأن الناس لا يفقدون وظائفهم لمجرد تفادي العمل لساعات إضافية ، و لكنهم يفقدونها لعدم تمكنهم من إنجاز أعمالهم بشكل جيد، و في كل الأوقات المحددة . و لهذا فإن السيرة الذاتية التي تلقى قبولاً لدى أصحاب و أرباب العمل هي تلك التي تبرز الإنجازات البارزة التي حققها المتقدم للوظيفة في أعماله السابقة . ٣- معرفة أهداف الوظيفة ، و ذلك من خلال الحصول على قائمة بها من المدير المباشر ، و تَفهم دور تلك الأهداف في إطار الإستراتيجية الأشمل للمؤسسة ، و يتعين أيضاً معرفة مدى جودة العمل الذي يُنجز من خلال معرفة ما يُريد الآخرون ، و كيفية قياسهم لمدى نجاحه إلى جانب تحديد أهداف يرتبط تحقيقها بجودة الأداء ، و ليس بعدد ساعات العمل . ٤- يجب معرفة أهداف المسؤول المباشر في العمل ، لأن في ذلك أفضل و أنجع طريقة تسمح بتفادي مشقة مهمة معينة تتمثل في تذكيره بأهدافه . ٥- عندما يتراكم على المرء كل شيء و يجد أنه لا يقوى على فعل أي شيء ، فيجب عندها تحديد طبيعة الأهداف بدقة و وضوح ، لأن الرغبة في تخفيض عدد ساعات العمل الفعلية هدف غامض أكثر مما يجب . ٦- الأمور مرهونة بأوقاتها ، و لذا من الواجب التحكم قدر الإمكان بمواعيد أغلب الأعباء الملقاة على العاتق ، لأن ذلك يوفر الكثير من الجهد و الوقت ، و من دون أن يلاحظ الآخرون ما القصد منه . ٧- التحلي بالشجاعة على الدوام . و من الواضح للعيان إمكانية أن تُستَمد الشجاعة من الثقة بالنفس و القدرة على تحديد المهام الأكثر أهمية ، و تنفيذها بشكل أفضل قياساً مع الآخرين . و إنطلاقاً من مقولة أن الوقت هو المادة الخام للحياة ، فإن التحرر الفعلي من خرافة عدم وجود الوقت الكافي هي أولى المحطات التي ينطلق منها المرء نحو حياة مثالية و منظمة ، لأن الوقت هو بحق أكثر ما نحتاج و أسوأ ما نستخدم . و أخيراً يتوجب على كل فرد أن يزرع في كل مساحة من وقته غرسة إبتسامة و رضا ، و زهرة شكر و دعاء ، و شجرة طيبة من الخير و المحبة و الإخاء ، و تذكر المقولة الشهيرة : ( الوقت كالسيف ، إن لم تقطعه قطعك ) .
د بشار عيسى