الوحدة: 10-4-2022
هناك .. عند التخوم المضيئة للذاكرة تفغو عشرات القصص الجميلة، والوجوه المسافرة كيمام حزين ..وينبت العشب من مفاصل الغياب !!
في أمسيات صيفية هي أشبه بحلم دافىء لن يعود ..كانت معظم الأسر تجتمع فوق سطوح المنازل للسهر وبتقنية بسيطة للغاية يقبع التلفزيون بلونيه الأبيض والأسود بين الحاضرين ..ويعلو صوت الراحل القدير مهران يوسف، وتتوالى الإعلانات التي حفظناها عن ظهر قلب ..حتى تطل علينا شارة مسلسل السهرة ..لنصمت ونتابع بشغف معظم الأعمال الدرامية السورية العظيمة التي لم تخدش حياء المشاهد يوماً ولو بمشهد واحد وفي الوقت ذاته غرست القيم الجميلة والأصيلة في نفوسنا .. كانت الموائد عامرة بالخير والحب والكرم رغم فقر الحال ..وكنا بين الحين والآخر نجتمع على مساعدة مريض أو أسرة منكوبة ..أو بناء مدرسة ابتدائية كما حدث في قريتي المتواضعة !
لم نكن ننظر إلى المعلم على أنه بشر مثلنا ..بعضنا اعتقد أنه ملاك ..وبعصنا الآخر كان يراه نصف إله !!
وحدها تلك الزواريب العتيقة كانت تحفظ أناشيدنا الطفولية في أخاديد ذاكرتها الرمادية .. والجدات يخبزن الحب مع كل رغيف ويطعمنه قطعة قطعة للمارة ..والجيران ..وعابري السبيل !!
هناك ..
عند التخوم المضيئة للذاكرة ..لم تفقد وجوهنا بريقها يوماً ..ولم تتبدل ألواننا رغم بساطتها ..وكان لأحاديثنا رائحة المطر والعبيتران والزعتر البري …وكلما هممنا بقطاف التوت ..تساقط أرجوانه فرحاً بين أصابعنا الطفولية !!
اليوم .. اختلف كل شيء … ضاعت أشياء كثيرة جميلة في ظل التكنولوجيا والفوضى ..حتى كلماتنا ووجوهنا أصبحت بحاجة إلى “فلاتر” على مواقع التواصل الاجتماعي .. أصبحنا ذلك المهرج المسكين الذي يبكي في سره ..ويخفي دموعه وراء قناعه المزيف !!
منى كامل الأطرش