العدد: 9318
الأحد-24-3-2019
وقفت على مدخل سوق الخضار، أصوات باعة البسطات تعلو وتنخفض للترويج لمنتجات أتوا بها من سوق الهال، أراقب حركة الدخول والخروج، بين داخل إليه بكامل نشاطه وحيويته، وآخر تُثقل خطواته أفكار لا يعلم بها إلا الله، ونظراته تتجول يميناً وشمالاً أمّا الخارج منه، من النادر أن تجد من يترنح تعباً من أكياس خضار ترهق همّته بالخروج سريعاً مع غياب صبيان كانوا يسترزقون من بيع أكياس النايلون السوداء الكبيرة التي كانت مطلوبة منذ سنوات لتجمع في داخلها ما يتعذر حمله من أكياس فرادى ممتلئة.
كل المؤشرات تكشف ضعف القوة الشرائية وتراجعها، وظهور ثقافة استهلاكية جديدة على المواطن السوري لنرى من يشتري من سوق الخضار بالنصف كيلو، وهذا كان من النادر رؤيته بهذا الموقع إجماع كل من التقيناهم على أن الأسعار قفزت قفزات جنونية، بارتفاع فاحش لا قدرة للمواطن من ذوي الدخل المحدود تحمّلها، ولم يستثنوا أي مادة، لكن الاستنكار مع الدهشة الأكبر كان من نصيب البطاطا التي كانت يوماً طعاماً للفقراء، ليتندر أحدهم ويشبهها بعد فرزها من صاحب بسطة بالذهب ، فهناك عيار (24) بسعر 500 ل.س، وعيار (21) بـ400 ل.س وعيار (18) بـ300ل.س فيما وقف أحدهم أما مي وفتح الكيس، وقال لي: انظري.. حبتين بطاطا فقط ، صدّقي أولا تصدّقي، إننا وصلنا إلى هذه الدرجة .
مع تراجع إن لم يكن غياب- الطبقة الوسطى وهبوطها إلى مستوى الفقر، كانت المفاجأة القادمة من عضو هيئة تدريسية في جامعة تشرين، مع سنوات خدمة تعدّت 20 عاماً، وبرفقته زوجته سيدة موظفة بالصحة، رفضا ذكر الاسم الصريح لعائلة من ستة أشخاص مع وجود الأم والأب ولم يصرح بعمله وهو دكتور بالجامعة إلا بنهاية اللقاء أبو علي شنّ هجوماً عنيفاً على غياب الرقابة والتموين، أو أيّ سلطة تُشرف على تنفيذ القوانين، واستنكر نشر الأسعار من قبل التموين على الشاشات، متسائلاً: هل تُشرف الجهات الرقابية على الأسواق يومياً، أم تحضر ليوم وتغيب باقي الشهر، مشككاً بالنزاهة؟!
وأضاف يجب مقارنة دخل المواطن مع الأسعار الرائجة بالسوق، ضعف القدرة الشرائية نتيجة لارتفاع الفاحش للأسعار، وبما أن الدولار ارتفع عشرة أضعاف كان يجب زيادة الرواتب ورفعها عشرة أضعاف لتحقيق التوازن لكن بالواقع ارتفع الدولار وبقي الراتب على حاله.
مؤكداً إذا لم يتمّ التعاون بين المحافظ الذي يمثل السيد رئيس الجمهورية، أي السلطة التنفيذية والجهات الرقابية مع الإشراف اليومي بالمتابعة المنتظمة لا جدوى من أي حديث، مشيراً إلى أن التاجر هو الحلقة الأقوى، وهو (داعش الداخل) فيما المواطن العادي هو الحلقة الأضعف، بالإضافة إلى المزارع الذي لا يتم دعمه بشكل حقيقي عبر وسائل وتكاليف الإنتاج مع غزو البطاطا المصرية الأعلى سعراً وحمّل السلطة التنفيذية المسؤولية من خلال الإشراف على تنفيذ القانون ليكون فوق الجميع موضحاً: إمّا الأخلاق أو القانون، إذا انعدمت الأخلاق، القانون يُعيد الأعوج إلى المستقيم نحتاج إلى قرار وتنفيذه لضبط الأسواق كلها والإشراف عليه سألت البائع أبو أحمد الذي يقف أمام بسطته التي فرز عليها البطاطا إلى ثلاثة أنواع، كيف ترى حركة الشراء؟
أجاب: ضعيفة، وبهذه الفقرة انخفضت كثيراً (الله يعين الناس) في ناس تشتري بالنصف كيلو، وبالحبّة وهذا حقيقة وليس كلاماً (الله يرحم أيام زمان) كنت أبيع باليوم طناً، بينما حالياً تبقى (300 كغ) أكثر من ثلاثة أيام.
وأمام سؤالي حول سر ارتفاع سعرها ردّ عليّ بسؤال: يوجد في سوق الهال أكثر من (60) محلاً للتجار، برأيك من يحدد الأسعار في سوق الهال، هل يتم تحديدها بناء على رأي تاجر أو ثلاثة منهم أم من أكبر عدد منهم؟ بعد سؤاله نستشف الإجابة بأن هناك عدداً قليلاً يتحكم بتحديد السعر وتقديمه لعناصر التموين لإعداد نشرتها…. عندها يصدق المثل( شطف الدرج من الأعلى لا من الأسفل) وهذا مؤشر وتأكيد على أن الرقابة يجب أن تبدأ من الأعلى من التاجر وهذا مسؤولية الدولة رغم ما يقوله التجار عن ضريبة دخل من الوزارة تصل إلى 4 % ، إضافةَ إلى تكاليف النقل، ومسار الطريق لوصول المنتج إلى سوق الهال، ومشكلة المازوت.
إذا جمعنا التكاليف السابقة مع هامش الربح الكبير للتجار، نصل إلى نتيجة أن المواطن يدفع ثمن كل ما سبق، إذا وصلت البطاطا إلى اللاذقية وتم بيع الكيلو غرام الواحد 450 ل.س بينما سعرها في حلب 200 إلى 250 ل.س ، هل من الطبيعي أن تصل تكلفة النقل ولوازمه إلى 250 ل.س للكغ الواحد؟!
إذا كانت التكاليف دقيقة وحقيقية وتحديد السعر بناء عليها، لماذا لا يعطى التجار فواتير نظامية لتجار سوق الهال وأسواق الخضار بالمدينة؟ ليؤكد أحد الباعة على أنه لا يوجد تاجر يعطي فاتورة، وعندما يطلب التموين فاتورة من بائع بسوق الخضار، هو يعرف أن تاجر سوق الهال لا يعطي فاتورة لأحد.
لا للجملة، ولا للمفّرق «هنا الضحك على اللحى»، وأشار إلى أن هامش الربح في سوق الخضار مقبول على مبدأ (بيع كتير وأربح قليل).
وداد إبراهيم