وقال البحر أزمة المجتمع

الوحدة 1-2-2022

يتكون المُجتمع عادة من جماعة من الأفراد تربطهم وحدة المكان والتاريخ واللغة وحتى أهوال الأزمات، وجميعهم مُشتركون في تفاعل بيني مع عميق أركان المكان عبر مرور الزمان/ ولعل أية ظاهرة اجتماعية أو أزمة مجتمعية تسود في ظروف معينة ليست إلا ما يظهر طافياً على السطح من نتاج التفاعلات السابقة بكل اتجاهاتها المُتعددة وأعماقها المُتباينة مع ملاحظة إسهام كل عنصر من المجتمع في هذه التفاعلات من خلال ما ينطوي عليه كيانه الشخصي من جملة قيم ومشاعر وفكر واعتقاد ونظرة إلى المستقبل انطلاقاً من أطلال الماضي، وبما أن الإنسان يتفاعل مُجتمعياً بحالة من الكينونة النفسية والسلوكية فهو يتأثر بكل الخطى الحثيثة نحو مستقبل مشرق ومشرف يزخر به المجتمع بغية تذليل مشاكل أفراده وأزمات كيان مختلف شرائحه فكراً وسلوكاً وفقراً ومعيشةً وعلماً وعملاً وهجرةً وسفراً وصولاً إلى كل ما هو منشود وعليه سراج الأمل معقود.
يحيا الإنسان ويتطور بصورة صحية ساعياً نحو النضج والتكامل ما دامت أسباب الصحة قد توافرت له في بيئته وظل قادراً على التمييز بين القاسي المُتجبر والطيب المُتسامح فيرفض هذا بشدة ويتحاشاه ويُقبل على ذاك ويتمثله ويظل التوازن بين حالات الطفل والراشد هو ما يُميز أداءه بصورة عامة فإذا ما جد على بيئته ما يُعكر صفوها أو استجد عليه ما يحول بينه وبين ملكة التمييز أصبح من الصعب عليه المُحافظة على حالة التوازن بين حالاته في محطات حياته، وهذا هو بعينه موطن الداء في الخلل الذي يُهدد انسجام حياة أفراد المجتمع المُعرض للمرور بعدة صور من الأزمات التي تكون في جزء منها مُزمنة أو حادة وتعترض مسيرة المجتمع كالأزمة الاقتصادية بشقي الركود والتضخم والأزمات السياسية المُتمثلة بمفهوم الديمقراطية المُنعكسة على اتساع الفجوة بين الشعب والحكومة أو حتى الأزمات المفاجئة والسريعة كالكوارث الطبيعية على اختلاف صورها، ولا يخال بأن أفراد المجتمع بعمومه الذين يُعانون حياة اليوم وهم راضون بغير خنوع ويطالبون بغير تعجيز أو عجز وينتقدون أوجه القصور بغير تذمر ويرفضون ما لا يقبلون بغير تدمير ويطرحون الحلول من غير تكبر ويرتمون في حضن وطنهم وتراث وأمجاد بلدهم دون تواكل أو كلل ستسمو قيمهم بما فيها من رونق وجمال وستشع أنوار صبرهم في عميق سلوكهم لتكتسي حياتهم بصفة عامة بالصورة الجميلة والنغم الشجي والحكمة العميقة والمعاني العبقرية في عميق الجذور المُنقبة.
في مجتمع الأزمة الذي يدعمه العقل المُستنير وليس الغارق في أحلام اليقظة وترهات الماضي تحتل مركز الصدارة في المناخ العام للمجتمع ملامح صورة الفن المُستهلك والتراث المتسلط و يتبلور الهدف الأسمى في التماس الملاذ والملجأ في كل ما مضى من زمن وما مر من فهم عقليات وتراكم خبرات ويُسهم التُراث الموروث مع كل من العلم والفن في تكوين حياة ثقافية ناهضة كما ويُشكل الأدب وأشكال الفن إبداعاً إنسانياً صادقاً كالفكر المكتوب أو الفن المرسوم، وعلى أفراد المجتمع أن يُنقبوا في كنوز أسلافهم عن أشمخ ما وصلوا إليه من آفاق علم وإنجازات وثقافة وإبداعات ناطحت الزمان وظلت باقية حتى الآن وعليهم أيضاً أن يبحثوا في إرث الماضي عن القيم الرفيعة والذوق المُرهف وعن لحظات التقدم ومحطات الرفعة في تاريخهم وبطولات ملاحمهم وصولاً إلى درجة صدقهم مع أنفسهم ليصبح طابعهم الموروث ناضحاً على نتاجهم بصورة تلقائية وليس بتعسف وتحميل مجاف لطبيعة الأشياء، ولعل احتمالات بلوغ مجتمع مُستنير تغمره ثقافة عاقلة ومبدعة وملهمة تتراوح بين الصعوبة والاستحالة إلا إذا أصبح هذا المجتمع هدفاً فعلياً لعموم المُثقفين المُستعدين لتلقي طعنات اقتصاديي الاستهلاك.

د. بشار عيسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار