الوحدة : 7-1-2022
لا يكاد يمضي أسبوع إلا بخبر عن فراق أحد الأحبة قد ودّع أهله وغادر باحثاً عن لقمة عيشه وعيش أسرته، ولم تتوقف الهجرة والسفر على الأطباء والمهندسين ورؤوس الأموال بل تعدتها إلى النساء والأمهات اللاتي من المفترض أن تَؤمن لهن كل سبل العيش الرغيد ليستطعن إعداد الأبناء والأجيال إعداداً سليماً من كافة النواحي، أيّ شعور بالعجز هذا الذي يجعل الأم تترك أطفالها وتودعهم رباً رحيماً ريثما تستطيع تأمين حياة كريمة لهم؟
السيدة ندى محمد، أم لطفلتين صغيرتين، تعمل ممرضة قالت: حين ضاقت بنا كل سبل الحياة كان لابد من السفر رغم أني لم أكن سابقاً أتجرأ أن أفكر مجرد تفكير بتركهم لكن سوء المعيشة وعدم قدرتي على تقديم أية مساعدة لأسرتي الصغيرة وطفلتيّ أو لأهلي الذين هم بأمس الحاجة لي ولمساعدتي في هذا الوقت من عمرهم، قررت السفر رغم أن شعور الغربة أكبر من أن يوصف بكلمات لصعوبته، سافرت وعملت بجد وكان الأصعب من غربتي وتعبي وكدي المتواصل أن تمتنع طفلتي عن مكالمتي حزناً منها لأني تركتها، وأضافت: نبذل في الغربة جهوداً مضاعفة مرات ومرات عما في بلدنا، كنا نتمنى أن نبذلها لأبناء بلدنا، يستهلكوننا في الغربة لآخر نفس، ويستغلون حاجتنا، فقد زادوا ساعات العمل من سبع ساعات حسب العقد إلى تسع ساعات ومن ثم إلى ١٢ ساعة، وأنقصوا من الراتب الذي كان حسب العقد ألف دولار إلى أكثر من نصفه، وعندما كنا نناقشهم يردون بأنه بهذا الراتب الذي نتقاضاه يستطيعون إحضار ثلاثة سوريين غيرنا لكثرة السوريين الذين قرروا الهجرة والهرب من ظروفهم الصعبة والرضى بأي راتب لإنقاذ عوائلهم من الفقر والحرمان، وأكدت السيدة ندى أن المرضى كانوا يأتون إلى المشفى على اسم الكادر الطبي السوري من أطباء وممرضات وسمعتهم الحسنة لتميزهم وإبداعهم في عملهم، صحيح كانت تجربة صعبة وخاصة بُعدي عن أطفالي ولكنها علمتني الكثير وغيرت حياتي وحسّنت وضعي نوعاً ما، في ولكن لم يجبرنا على المر إلا الأمر منه فلو قدموا لنا ببلدنا ربع ما تقدمه لنا الدول الأخرى لامتنع الكثيرون عن السفر ولأزالوا فكرة الهجرة من رؤوسهم تماماً لأنه لا شيء يعوض عن الاستقرار والعائلة والوطن .
ووافقتها الرأي السيدة هبة العلي خريجة اقتصاد وقالت: ليتنا نستطيع تأمين بعض الاستقرار المادي أو تحسين بعض الظروف المعيشية الصعبة أو تأمين أي مشروع صغير نعتاش منه ولكن كل هذا محال، فبلدنا لم تعد لنا لقد أصبحت لفئة قليلة من الأغنياء والتجار فقط الذين لا يريدون كفاءاتنا ولا شهاداتنا ولا مشاركتنا بأي شيء، وقالت: يقهرني أن أنام كل يوم ولا أعلم كيف ينام أطفالي ولا كيف يأكلون وإذا مرضوا ولست بجانبهم يأكلني العذاب والخوف عليهم، يحزنني إني لا أشاركهم ألعابهم ولا ضحكاتهم ولا دراستهم ولكن لأجلهم كل صعب يهون وهي فترة ستمر وأعود إليهم وقد أمّنت لهم بعضاً من المستقبل الآمن في ظل المجهول الذي تسير إليه بلادنا، نعم الفقر والعوز والحاجة والحرمان ولقمة العيش المغمسة بالذل هي ما تجعل طوابير الرجال والنساء تزداد على نوافذ الهجرة والجوازات ولا أظن أحداً يتخلى عن فرصة أرسلتها له السماء لتحسين وضع ومعيشة أسرته وأهله وتأمين حياة مستقرة وكريمة لهم ولا طريقة لتحسين ذلك غير الهجرة والسفر.
أما الآنسة نسرين خضور مدرسة لغة فقالت: في السابق كنت أرفض مجرد فكرة السفر رغم سفر غالبية زميلاتي متأملة بأن يتحسن كل شيء ولكني الآن أعمل كي أسافر فالوضع في بلدنا أصبح لا يحتمل ولا نستطيع الاحتيال على ظروفه لنبقى فيه بأي طريقة فالرواتب مقارنة بهذا الغلاء الفاحش متدنية جداً ولا تعيل صاحبها لأكثر من عدة أيام لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، صحيح أن الغربة أكثر مرارة من الحنظل ولكن ما نعيشه في وطننا أيضاً أكثر مرارة منه، صرنا نعيش الغربة ضمن بلدنا ولا ننام على هم قديم، جنون الأسعار أفقدنا ثقتنا بأن القادم أفضل، وصلنا لحالة من اليأس والإحباط الكبير، فأبسط حاجياتنا صارت حلماً والوطن ضاق بنا وبطموحاتنا وبأحلامنا وبدل الاستسلام علينا أن نعمل بكل طاقاتنا فنحن أخوات الرجال ولا خوف علينا أينما ذهبنا فكم رددت جداتنا في السابق على مسامعنا: أينما ترزق إلزق.
سناء ديب