ليلة (يلدا) وطقوسها

الوحدة21-12-2021

 

مع غروب الشمس في الواحد والعشرين من ديسمبر كانون الأول يحتفل الإيرانيون في الليلة الأطول في العام, في احتفالات تعرف في إيران باحتفالات (شب يلدا) ليلة يلد هي ليلة يهتم بها كل الإيرانيين. ولكن لماذا ليلة يلدا مهمة إلى هذه الدرجة ؟ ولماذا الإيرانيون لا يحتفلون بأطول نهار في السنة بدل أن يحتفلوا بأطول ليلة فيها؟ هي تقليد قديم إذ يعود الاحتفال بليلة يلدا في إيران إلى أكثر من ألفين و خمسمائة عام واسم يلدا مشتق من اللغة السريانية ويعني ولادة الشمس (ميترا)ولادة يحتفل الإيرانيون بها في منزل كبير العائلة حيث يطغى اللونان الأحمر والأخضر على الاحتفال في هذه الليلة. يرمز اللون الأخضر إلى التجدد و العطاء أما اللون الأحمر فيرمز إلى لون الشمس. يذكر محمود روح الأميني في كتابه: (الطقوس و الاحتفالات القديمة في إيران) أن جذور هذا الاحتفال تعود إلى الديانة المترائية في إيران قبل آلاف السنين, حيث تحدثت الأساطير عن إله النور الذي انتصر وتفوق في هذه الليلة على إله الشر والظلام (أهريمن). تصل الشمس في دورانها السنوي في نهاية فصل الخريف إلى أقرب نقطة من الأفق الجنوبي الشرقي, مما يؤدي إلى قصر طول النهار و ازدياد طول الليل. ولكن مع بدء الشتاء و التحول ( الانقلاب ) الشتوي تعود الشمس باتجاه الشمال الشرقي, وينتج عن ذلك ازدياد طول النهار ويقصر ظلام الليل. باعتقاد الإيرانيين القدماء أن هذه الزيادة في طول النهار تعد ولادة للشمس مرة أخرى الأمر الذي يبعث على إبعاد السواد وظلام الليل وشر الشياطين. لذا في الليلة الأولى من فصل الشتاء و التي هي أطول ليلة في السنة يحتفل الإيرانيون بولادة الشمس. ليلة يلدا في الثقافة الإيرانية هي فرصة ثمينة لنقل الحكايات وقراءة الكتب القيمة لجيل جديد ضمن اجتماع عائلي حميمي. إذ يجتمع أفراد العائلة حول منضدة مغطاة بلحاف كبير, اجتماع يطلعون فيه على أخبار بعضهم البعض, و يسردون قصصاً و أساطير و روايات عن إيران ثم يبدأون فصل الخير و العطاء متبركين بفأل حافظ الشيرازي, و المهمة أيضاً تقع على عاتق كبير العائلة. يحرص الإيرانيون على إشراك الأطفال في إدارة الاحتفال, ليزرعوا في نفوسهم ضرورة الحفاظ على هذا الموروث الذي يعتزون به بوصفه رمزاً لقدم حضارتهم ويتمسكون به أكثر لدوره في تجمع أفراد الأسرة و لو لليلة واحدة في السنة. يجتمعون ويقرؤون أشعار حافظ الرقيقة, كما يقرؤون أيضا شعراً من كتاب الشاهنامة لأبي قاسم الفردوسي, والهدف من قراءة الحكم والأمثال و الأشعار هي التأكيد على دعوة الناس إلى أعمال الخير, كما أنها تروي التاريخ وشجاعة الأقدمين لإضفاء روح جمالية على هذه الليلة. تتكون سفرة يلدا من الشموع و الورود والكتب و المكسرات و الحلويات و الشاي و الفاكهة و خاصة الرمان و البطيخ الأحمر اللذين يعدان أساسيين في هذه الليلة. يرمز وجود الرمان و البطيخ على مائدة يلدا إلى الفرح والولادة, فالرمان يؤثر على تنقية وزيادة الدم في الجسم مما يساعد على تنشيط الجسم . أما البطيخ الأحمر فتناوله في فصل الشتاء يرمز لفصل الصيف وحرارته الدافئة إذ يحمي الفرد من البرد والعطش في هذا الفصل البارد. لكل منطقة في إيران ولكل قومية طريقة خاصة بها للاحتفال و تتخللها الأنشطة والألعاب والأطعمة الخاصة بها فهناك من يقيم حفلات الأعراس, و منهم من يتناول أطعمة خاصة و البعض يلعب ألعاباً مختلفة كلعبة الأسماء و المشاعر واختيار الفنجان الصحيح من الفناجين. حين نغوص في فلسفة شب يلدا في المعتقدات القديمة لأهل إيران لن نرى سوى الدعوة إلى النور و الخير والفرح, والدعوة إلى صلة الرحم لنكون إلى جانب بعضنا البعض . هذه فكرة ليلة يلدا وهي سنة ثابتة و مستمرة على هذا المنوال. الفكرة الأساسية هي أننا يجب ألا ننسى أننا قادرون على محاربة الظلام يداً بيد متسلحين بالفرح و النور و المحبة لنعيش لحظات ولادة النور والشمس معاً.

 د.رنا جوني

تصفح المزيد..
آخر الأخبار