الوحدة:20-2-2025
أقام فرع اتحاد الكتاب العرب في اللاذقية محاضرة ثقافية بعنوان: “تأثير الاقتصاد في الثقافة وبناء الإنسان” ألقاها الدكتور الباحث ذو الفقار عبود، وذلك في قاعة الأنشطة بمبنى الاتحاد.
الأستاذ الدكتور ذو الفقار عبود أستاذ في كلية الاقتصاد – جامعة اللاذقية، لديه مؤلفات عديدة منها: الاقتصاد الدولي والعلاقات الدولية وأبحاث علمية في أمن الطاقة والأمن القومي والقضايا الاستراتيجية كاتب صحفي في الصحف السورية واللبنانية، وفي مجلات عالمية محكمة في ألمانيا وسويسرا والصين وفي مراكز أبحاث في آسيا وأوروبا، كما شغل منصب رئيس تحرير مجلة (مدارات) الصادرة في ألمانيا.
تدور الفكرة الأساسية للمحاضرة حول المفاهيم الاقتصادية الجديدة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، التي انتقلت بنا من مفاهيم الاقتصاد التقليدي إلى مفاهيم الاقتصاد القائم على العلم والمعرفة والثقافة، فاليوم الدول الغنية والقوية ليست هي الدول التي تمتلك ثروات باطنية، بل هي الدول التي تمتلك المعرفة والتكنولوجيا والقيم المضافة فالعلم والثقافة هما سلاح اقتصادي وسياسي للسيطرة والهيمنة وتحقيق النمو الاقتصادي واحتلال موقع متقدم في الاقتصاد الدولي.
وقد أشار الباحث في بداية المحاضرة إلى ظهور مجموعة من المصطلحات في المجال الاقتصادي في الآونة الأخيرة لم تكن مألوفة وليست في إطار مدارس الفكر الاقتصادي المعروفة، فنشأ مفهوم اقتصاد المعرفة او الاقتصاد الذكي وأنواع أخرى وفروع أخرى من الاقتصاد، ومنها الاقتصاد البنفسجي الذي قال عنه المحاضر : تحالف بين الاقتصاد والثقافة لإضفاء الطابع الإنساني على العولمة للتوفيق بين التنمية الاقتصادية والاستدامة، ويأتي مفهوم الاقتصاد البنفسجي ترسيخاً لموضوع المسؤولية الاجتماعية للشركات التي تستمد جذورها من الميثاق الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1969، وقد ظهر هذا المصطلح أول مرة في فرنسا عام 2011 في الوثيقة التي تم نشرها في صحيفة لوموند الفرنسية برعاية كل من منظمة اليونسكو والبرلمان الأوروبي والمفوضية الأوروبية، وبدأت تظهر مواضيع مثل الأعمال البنفسجية والمهن البنفسجية.
والاقتصاد البنفسجي يرتبط بشكل كبير بقيم وثقافة المجتمع وبذلك تكون الثقافة أحد المحاور المساعدة في تطوير الاقتصاد، وضمن هذا المجال أورد الباحث مجموعة من الألوان للدلالة على فروع الاقتصاد مقسمة إلى سبعة ألوان وهي: الأسود للاقتصاد الخفي المتعلق بالتهريب والجرائم، والأبيض أو الرقمي متعلق بتكنولوجيا المعلومات، والأخضر يركز على البيئة لتحقيق المستدامة من خلال تحسين نوعية الحياة، والأزرق المتعلق بالاستفادة من مخلفات الإنتاج والاستهلاك، والاقتصاد البني المتعلق بالصناعات المدمرة والملوثة للبيئة، والاقتصاد الرمادي أو غير الرسمي الذي لا يسجل ولا تشمله الإحصاءات ولا يخضع للضرائب، والاقتصاد الأحمر المتعلق بالاقتصاد المركزي الاشتراكي في زمن الشيوعية، والاقتصاد الفضي المتعلق بكبار السن حيث إن اللون الفضي يرمز للشيب.
وأضاف الباحث أن الثقافة اليوم لم تعد مجرد قيمة إنسانية وأداة حضارية تتفاخر بها الأمم، بل هي الآن أكثر من ذلك، فقد تجاوزت الثقافة كل تلك الأدوار والوظائف التقليدية حيث أصبحت الثقافة الحديثة أحد أهم العناوين الكبرى في الاقتصاد، وتحولت من مصدر تنوير وتأثير إلى مصادر تتيح الفرص والثروات، فالثقافة الآن تمارس بعض الوظائف والأدوار التكاملية، حيث تسهم في صناعة الاقتصاد وتوفير الوظائف والفرص لملايين البشر، فالثقافة تدار كما لو كانت صناعة تنتج الكثير من السلع والبضائع دون الإخلال بممارسة دورها الثقافي والتنويري الذي يعد أساسياً ومحورياً.
وحول دور الثقافة العامة في تحفيز التقدم لا سيما على الجانب الاقتصادي، أوضح أن الثقافة عنصر أساسي يتجسد في العديد من الأشكال والتعبيرات، وهي ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الذات والهوية الوطنية فحسب، بل إنها تملك القدرة على التأثير بشكل مباشر وغير مباشر على الهوية الاقتصادية للدول من خلال تشجيع السياحة الثقافية ودعم الصناعات الثقافية والإبداعية، حيث يمكنها أن تفتح أبواباً جديدة للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، وهي تعزز الهوية الاقتصادية للدولة عبر تميزها التنافسي في السوق العالمي.
ومع التطور المستمر في مجال تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي اتسعت دائرة الاقتصاد الثقافي لتشمل كل محتويات الإبداع الإنساني، حتى تم تحويل الثقافة إلى مورد اقتصادي.
حيث أصبحت صناعة تتطلب رأس مال وتخطيط وتسويق وكادر مدرب، ناهيك عن أنها قاطرة لرسالة الدولة وللتعريف بمكانتها الحضارية ودورها الإنساني. وقد أورد الباحث الدعائم الأساسية للاقتصاد البنفسجي كالانفتاح على فكرة الاقتصاد الإقليمي والارتباط الوثيق بالثقافة وشمولية تخصصات الاقتصاد البنفسجي، والدور الهام في التنمية المستدامة والدعم الواسع لحقوق المرأة في المساواة وتكافؤ الفرص.
وقد طرح المحاضر تساؤلاً يتعلق بالفرص الإيجابية للاقتصاد البنفسجي، موضحاً أهمية فتح فرص لظهور أنشطة تجارية واستثمارية واسعة وخلق فرص عمل جديدة وزيادة الاستثمار في الرعاية الاجتماعية وصعود النموذج الكوري نموذجاً للاقتصاد البنفسجي، وبزوغ اليابان نموذجاً للثقافة والفن والاستثمار فيهما وتنامي دور القطاع الثقافي في اقتصاد أوروبا، واختتم الباحث محاضرته بالإشارة إلى ضرورة التكامل بين السلع حيث ساعد مفهوم الاقتصاد البنفسجي الثقافات المحلية على اكتساب الاعتراف الدولي من خلال إنتاج مجموعة متنوعة من السلع والخدمات للمستهلكين للاختيار والمفاضلة بينهما بما ساهم في تعزيز الإمكانات الثقافية للسلع والخدمات.
ندى كمال سلوم